قراءات سياسية فكرية استراتيجية

 

اخر الاخبار

حرب مسيرات روسية تركية في سماء أوكرانيا؟!

كثيرة هي العوامل الجديدة التي تميز الحرب في أوكرانيا. فهذه هي الحرب الأولى التي تجري بين روسيا من جهة والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى على أرض أوروبية. وهي الحرب الأولى التي تجري على أرض أوروبية منذ حروب يوغوسلافيا خلال التسعينات من القرن الماضي. أما المستجد الأبرز على هذا الصعيد فهو أن القوى الكبرى تستعين لأول مرة بتكنولوجيا “إسلامية” في صراعها الأوروبي. ففي وقت لجأت فيه أوكرانيا إلى الاعتماد على “تكنولوجيا تركية” تتمثل بمسيرات بيرقدار التي برز اسمها في الحرب كواحدة من الأسلحة الأكثر استعمالا من قبل القوات الأوكرانية ضد روسيا، فإن روسيا المتقدمة تكنولوجيا لجأت إلى استخدام أعداد كبيرة من المسيرات من مختلف الأحجام والأنواع لاستخدامها ضد القوات الأوكرانية. وبالتالي فلقد أصبحت سماء أوكرانيا ساحة مواجهة جوية بين القوتين.
وعلى الرغم من الدعاية الكبيرة التي سخرت لمسيرات بيرقدار والتي نتج عنها عقود بمليارات الدولارات لبيعها ليس قط لأوكرانيا لكن لدول أخرى، إلا أن الواقع أثبت تفوق المسيرات الإيرانية حتى الآن ما ساعد روسيا على احكام السيطرة على السماء الأوكرانية، واعتماد سياسة دفاعية مع حلول فصل الشتاء مع توجيه ضربات بعيدة المدى عبر المسيرات الإيرانية للمواقع الأوكرانية. وقد وصل الأمر حد اعلان رئيس تجمع المؤسسات الدفاعية في أوكرانيا سيرغي باشينسكي أن المسيرات التركية غير فعالة وأنها تشكل اهداا سهلة لانظمة الدفاع الجوي الروسية. ووفقا لباشينسكي فلقد تم تدمير معظم هذه المسيرات في الأسابيع الأولى من النزاع في أوكرانيا وأن احاديث المسؤولين عن قوة هذه المسيرات لم تكن حقيقية وكانت مجرد جزء من حملة “علاقات عامة” على حد تعبيره.
وقد اثارت تصريحات باشينسكي استهجان المسؤولين الاتراك لأن من شأن هذا أن يسيء الى سمعة مسيرات بيرقدار وبالتالي يفقدها عقودا بمليارات الدولارات لبيعها لدول عدة حول العالم. وقد رد هؤلاء المسؤولون بالتلميح الى عدم كفاءة الأوكران باستخدام التكنولوجيا التركية مشيرين الى أن المسؤولين الاوكرانيين قد يبررون فشلهم العسكري بالقاء اللوم على تكنولوجيا أسلحة أخرى يتلقونها من دول أخرى.
لكن في مقالة له في موقع “أوراجيان تايمز” أشار أشيش دانغوال إلى اختفاء مسيرات بيرقدار مؤخرا من سماء أوكرانيا، وتساءل ما اذا كان ذلك ناتجا عن عدم فعالية هذه المسيرات أم عن ضغوط مارستها موسكو على أنقرة حتى توقف بيع هذه المسيرات لكييف. وهو أشار الى اختفاء هذه المسيرات من ساحة المعركة ما طرح شكوكا حول فعاليتها. ونقل دانغوال تقارير روسية أفادت بأن الدفاعات الروسية اسقطت منذ بداية الصراع 130 مسيرة أوكرانية، مضيفا أنه منذ آب / أغسطس الماضي فإن الحديث عن بيرقدار بدأ يخفت بشكل كبير خصوصا أنها أثبتت عدم فعالية بالمقارنة مع ما حققته في ليبيا وسورية وفي الصراع الأخير في ناغورنو كارابخ بين أرمينيا وأذربيجان.
هذا دفع بالأميركيين إلى التفكير بتزويد كييف بمسيرات “غراي ايغلز” المتطورة. الا أن هنالك مخاوف لدى المسؤولين الأميركيين من أن تتمكن روسيا من اسقاط هذه المسيرات والحصول على بعض منها بحالة جيدة بما يكفي لتفكيكها والحصول على التكنولوجيا المتقدمة التي استخدمت في تصنيعها.
وقد عزا الكاتب الأداء السيء للمسيرات التركية الى تطور الدفاعات الجوية الروسية بالمقارنة مع بداية الصراع في أوكرانيا، واستخدام الروس لوسائل انذار مبكر لرصد المسيرات والتشويش عليها، واستخدام روسيا لانواع متعددة من وسائط الدفاع الجوي في الوقت نفسه إضافة إلى عقد موسكو لاتفاقيات لتزويد تركيا بالغاز بأسعار مخفضة لقاء وقف انقرة لعقود بيع بيرقدار الى كييف.

في المقابل يبدو أن المسيرات الروسية قد اثبتت فعالية عالية في ميادين القتال ما اثار قلق الأميركيين لجهة التقدم التكنولوجي الذي اثبتته الصناعات العسكرية الروسية من جهة وإمكان أن تتحول أوكرانيا الى ميدان تجارب للسلاح الروسي بغية تطويره. في هذا الاطار فإن الكاتب الأميركي المؤيد لإسرائيل مايكل نايت قد حذر من التحديات التي يطرحها الاستخدام الروسي الناجح للمسيرات على الدول الغربية. وفي مقالة نشرها على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المؤيد للصهيونية، اعتبر مايكل نايت أن أوكرانيا قد تحولت لميدان اختبار للأسلحة الروسية وخصوصا المسيرات.
وشدد الكاتب على أن المسيرات قد اثبتت أنها سلاح مهم بالنسبة لروسيا في أوكرانيا برهن عن جدارته في تدمير اهداف عسكرية أوكرانية كثيرة، وأن هذا مكن الروس من استخدام هذه المسيرات البخسة الثمن لتدمير معدات عسكرية غربية باهظة الثمن قام الناتو بارسالها الى أوكرانيا. وقد أشار الى ان المسيرات الروسية بدأت بالظهور بكثافة في ميادين القتال في أوكرانيا في شهر آب / أغسطس 2022، أي في نفس الوقت الذي كانت مسيرات بيرقدار قد بدأت تختفي من الميدان. وقد مكنت المسيرات روسيا من تعويض ما خسرته من مسيرات في الأشهر الأولى من الحرب وبكلفة قليلة نتيجة الأسعار غير المرتفعة لهذه المسيرات.
وعلى الرغم من أن هذه المسيرات يمكن أن تحمل رأسًا حربيًا صغيرًا يبلغ حوالي 33-66 رطلاً من المتفجرات شديدة الانفجار (مقارنة بحوالي 100 رطل لقنبلة طائرة صغيرة القطر)، إلا أنها دقيقة بشكل كبير ويمكن أن تستهدف العقد الحساسة أو المكونات الفرعية داخل منشأة كبيرة. والجدير ذكره أن قدرة أوكرانيا على رد هجمات المسيرات محدودة بسبب العدد الهائل من المواقع التي يجب الدفاع عنها.
وتزعم القوات الأوكرانية بأنها استطاعت تحسين تكتيكاتها المضادة للطائرات بدون طيار وصواريخ كروز وأنها باتت قادرة على اعتراض اكثر من 65 بالمئة من المسيرات. لكن هذه المزاعم غير صحيحة عدا عن انها ساهمت بتحويل أوكرانيا قسما كبيرا من المعدات التي زودها بها الغرب بعيدا عن ميدان المعركة البري ضد القوات الروسية، عدا عن أن اعدادا كبيرة من الأهداف الأوكرانية يتم تدميرها يوميا من قبل هذه المسيرات. ووفقا لمصادر اوكرانية فإن موسكو تستخدم حاليا اكثر من 2400 مسيرة كلفة الواحدة منها 20 الف دولار أميركي فيما تبلغ كلفة صاروخ الاعتراض لهذه المسيرات ما بين 400 الف ومليون ومئتي الف دولار أميركي ما يعني أن روسيا تستطيع استخدام هذه المسيرات لاستنزاف الغرب الداعم لاوكرانيا اقتصاديا.
ويتوقع أن تستخدم روسيا مسيرات أكثر تطورا ما قد يجعل وضع أوكرانيا وحلفائها اصعب عسكريا في ظل ارتفاع كلفة الحرب على أوكرانيا وداعميها والذي انعكس تضخما في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بدأ ينعكس سلبا على التأييد الشعبي في هذه الدول للحرب في أوكرانيا.

اقرأ المزيد
آخر الأخبار