قراءات سياسية فكرية استراتيجية

الاعتراف…

كما يبدو فان الادارة الاميركية الجديدة لم تعد تتورع في الكشف الصريح عن كل مخططاتها ومؤامراتها وعدوانيتها علنا وبصراحة متناهية كأنها احست انها خارج المحاسبة والادانة، وحتى في المواضيع الدينية الحساسة التي كانت تتجنبها في السابق، هي حاليا تعلن جهارا عن خطتها للسيطرة على الطوائف المتعددة تمهيدا لتفكيكها واخضاعها لمبادئها اللاخلاقية وصهرها في منظمة تقودها الحكومة العميقة تحت مسميات وهمية لا تقدم ولا تؤخر بقدر ما تهدف الى جعل هذه الطوائف اداة بقادتها ومؤمنيها في يد اجهزتها السرية العابثة بمصائر البشرية.
وفي هذا السياق لم يكن ينقص بطريرك القسطنطينية للروم الارثوذكس بارثلماوس الا شيئا واحدا لكشف كل الاقنعة التي تخفّى وراءها طويلا، وهذا الشيء هو الاعتراف العلني وعلى الملأ بان من يدير بطركيته المسكونية ومن يحرضه على تفكيك الكنائس الارثوذكسية في العالم، هي السياسة الاميركية وادارتها بالتحديد. فقد قام رئيس اساقفة القسطنطينية في اميركا الشمالية المطران البيذافوروس نهاية تشرين الاول الماضي وبتكليف من البطريرك بارثلماوس وبمشاركة اعوانه من الاساقفة بمنح رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (CIA)ووزير الخارجية الاميركي الاسبق مايك بومبيو جائزة أثيناغوراس لحقوق الإنسان بسبب وكما جاء في حفل تقديم الجائزة على لسان المنظمين، مساهمته العظيمة في تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المنشقة وجهوده الجبارة في ملاحقة الكنيسة الارثوذكسية الشرعية في اوكرانيا صاحبة التاريخ الممتد لاكثر من الف عام والسعي لتدميرها !!!
ووفقا لرسالة البطريرك المسكوني الى المحتفلين في فندق هيلتون ميدتاون بنيويورك فإن بومبيو “معترف به لدفاعه الدؤوب عن الحرية الدينية ودعمه الثابت للبطريركية المسكونية والأقليات الدينية الأخرى خلال خدمته العامة المتميزة”…
من ناحيته تحدث بومبيو بصراحة مطلقة عن مشاركته الشخصية في تأسيس “الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية” المنشقة بالاتفاق مع القسطنطينية، وفي الضغط على الكنائس الأرثوذكسية المحلية الاخرى للاعتراف بهذه المنظمة. وأشاد باساقفة القسطنطينية وبطريركها على ما وصفه بعملهم في الدفاع عن الحرية الدينية لـ 300 مليون مسيحي أرثوذكسي حول العالم. واثنى رئيس الـ سي آي أي السابق على عمل البطريرك بارثلماوس لمنحه الاستقلال الذاتي للكنيسة الأوكرانية المنشقة، بينما أدان أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية القانونية التي تضم عشرات ملايين المؤمنين الاوكران، ووصفهم بأنهم “شبكة تجسس داخل أوكرانيا”.
خلال فترة عمله وزيرًا للخارجية، عمل بومبيو ووكالته على تحضير “المطران” إبيفاني دومينكو، وغيره من قادة ما يسمى “الكنيسة الارثوذكسية الأوكرانية” المنشقة، وأعرب عن دعمه لهم. دومينكو نفسه حائز سابق على جائزة “أركونس” لحقوق الإنسان، على الرغم من أن منظمته تضطهد المسيحيين الأرثوذكس في أوكرانيا علنًا وبعنف وتلاحق بالتعاون مع شرطة النظام العنصري في كييف والعصابات النازية مطارنة وكهنة ومؤمني هذه الكنيسة الشرعية، تتعرض لهم بالضرب والاهانات وتزج بهم في السجون وتسحب منهم جنسياتهم الاوكرانية وتطردهم خارج البلاد، كما وتصادر كنائسهم بالقوة عن طريق استجلاب عصابات منظمة لا علاقة لها بالكنيسة تعمل على تدمير هذه الكنائس وخلع ابوابها وسرقة محتوياتها الثمينة وبيعها الى مافيا الاثارات في الخارج بمشاركة مسؤولين كبار في الدولة من وزارات كالثقافة والتسامح الديني وغيرها.
وكما يبدو فان “انجازات” البطريرك القسطنطيني المدعومة بتخطيط الادارة الاميركية ووزارة خارجيتها وسفاراتها وشبكة استخباراتها الخارجية تتنقل معه من بلد الى اخر يسبقها ويرافقها هذا الدعم الاميركي اللامتناهي. فهو حط قبل أكثر من اسبوع في بوخارست وحاول ان ينقل معه هرتقاته الدينية والسياسية عبر تقديم نفسه كبابا شرقي مطلق الصلاحيات والعمل على حرف الكنيسة الرومانية عن مسارها، كما ويشارك مع حكومة مولدوفا الملتحقة بسياسة الادارة الاميركية ومستجدية العطف والمال الغربي في تطويق كنيسة مولدوقا الارثوذكسية وتقسيمها كما حصل في اوكرانيا وجعلها اداة في مسلسل الاخضاع الاميركي المستفز.
هذا البطريرك مستمر في جولاته المكوكية المنسقة مع الراعي الاميركي وهي تركت خلفها غبارا وعاصفة ضربت كنائس هذه الدول وخاصة في دول البلطيق: استونيا، لاتفيا وليتوانيا هذه العاصفة التي حملها معه البطريرك المسكوني الى الكنائس الارثوذكسية في هذه الدول والتي كان هدفها الوحيد تفتيت هذه الكنائس ووضعها تحت رعايته وبالتالي تحت رعاية السياسة الاميركية واجهزتها السرية ومخططاتها الاستعمارية القديمة الجديدة.
وفي هذا الاطار ايضا يحاول البطريرك المسكوني ومن دون كلل وضمن خطط مرشديه الجهنمية تكريس نفسه رسميا بابا شرقي مستغلا زيارة بابا روما الى اسطنبول للاحتفال بمرور 1700 عام على مجمع نيقيه ساعيا بقوة الى جمع بطاركة الشرق الارثوذكس عبر الترغيب والترهيب بمشاركة من سلطات بعض الدول وسفاراتها واعادة انتاج نظام “البنترخيا” الخماسي الذي يتهيأ للبطريرك بارثلماوس انه يستطيع من خلاله التحكم بالعالم الارثوذكسي واعادة عقارب الساعة الى الوراء غافلا عن محدودية قدراته وضعف امكانياته وهزالة موقفه الروحي كما والاخلاقي في التواطؤ مع عدوه ضد اخيه، هذا المرشد الذي سيتركه لا محالة عند اول استحقاق وحيدا في قاربه المثقوب…

الكاتب : د. اسكندر كفوري

اقرأ المزيد
آخر الأخبار