قراءات سياسية فكرية استراتيجية

سوريا خلال 24 ساعة: تصاعد التوتر في حمص وغارات إسرائيلية على دمشق وتوترات سياسية داخلية

شهدت الساحة السورية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية سلسلة متسارعة من الأحداث الدموية والسياسية والأمنية، عكست هشاشة الوضع الداخلي وتفاقم التحديات الإقليمية والدولية المحيطة بالملف السوري.

توزّع المشهد السوري خلال الساعات الماضية على ثلاثة محاور بارزة: اضطرابات أمنية داخلية، توتر اجتماعي وسياسي متصاعد، وتدخلات إقليمية ودولية متشابكة.

أولاً: انفجار أمني في الداخل – حمص نموذجاً

أبرز التطورات تمثّل في حادثة قرية عناز بوادي النصارى في ريف حمص، حيث أودى إطلاق نار مجهول الهوية بحياة ثلاثة شبان، ما فجّر حالة غضب واسعة بين الأهالي أدّت إلى قطع الطرقات واشتباكات متوترة مع عناصر الأمن.

تصريحات قائد الأمن الداخلي، العميد مرهف النعسان، ربطت الحادثة بمحاولات “زعزعة الأمن والتأثير على العملية الانتخابية”، إلا أن الواقع يشير إلى بيئة أمنية رخوة تتزايد فيها الجرائم وعمليات السطو، كما حدث في قرية “بعيت” بذات المنطقة، ما يعكس انهيار منظومة الردع وضعف قدرة السلطة على ضبط الأوضاع.

ثانيا: توتر اجتماعي وسياسي متصاعد

يشهد الداخل السوري سلسلة من الاحتجاجات والمواقف السياسية التي تعكس توترا تتراوح مظاهره بين نزاعات مطلبية ومعيشية، وبين مواجهات حول الهوية والحريات:

في دمشق، أثارت حادثة الاعتداء على الأطباء في مشفى المجتهد ضجة واسعة، وأظهرت مدى تغوّل النفوذ الأمني – الاجتماعي، حيث تدخل عنصر مخابرات لمساندة المعتدية بدل حماية الكادر الطبي، وهو ما يفضح هشاشة مؤسسات الدولة أمام سطوة “القوة غير الرسمية”.
في حماة، شهدت المدينة احتجاجات متعددة، الأولى لعمال محلج القطن المفصولين دون تعويضات، والثانية ضد تقليص حصص التربية الدينية، حيث تحوّلت المظاهرة إلى مواجهة رمزية بين البعد النقابي-الاجتماعي والبعد الديني، مما ينذر بخلط خطير بين القضايا الاقتصادية والثقافية.
سياسيا، برز صوت المعارض المخضرم فاتح جاموس الذي انتقد استمرار “الديكتاتورية” وطالب بقوانين ديمقراطية للأحزاب والإعلام، في تحد واضح لخطاب السلطة التي تسعى لاحتواء المعارضة ضمن قنوات سياسية مضبوطة.

ثالثا: تدخلات إقليمية ودولية متشابكة

إسرائيل كثّفت هجماتها عبر توغل بري في ريف القنيطرة، وغارات على أطراف دمشق، وتحليق مروحي بين درعا والقنيطرة، في رسالة مباشرة لردع أي تموضع جديد للقوى المقاومة، أو تأسيس جيش جديد للسلطة الجديدة التي تنازلت عن كل الحقوق.
التحالف الدولي نفّذ عملية نوعية عبر مسيّرة استهدفت قياديا في “أنصار الإسلام” بريف إدلب، ما يعكس استمرار حرب “التصفية الدقيقة” ضد الجماعات الجهادية.
تركيا أعادت التأكيد على رفضها أي تقسيم لسوريا، مع مراقبة ملف دمج قوات “قسد” في الجيش السوري، وهو ملف يزداد تعقيداً مع تعثر اتفاق آذار حول توحيد البنية العسكرية.
في المقابل، واشنطن جددت حالة الطوارئ المتعلقة بسوريا، في خطوة تؤكد استمرار التعامل الأميركي مع الملف السوري كتهديد للأمن القومي.
أما على خط العلاقات السورية – اللبنانية، فتواصلت المحادثات حول ملف المعتقلين والمفقودين، ما يعكس محاولة لإعادة بناء الثقة الثنائية، وإن بقيت محكومة بظل النفوذ الإقليمي.

رابعاً: المشهد الميداني المتشظي

الجنوب السوري شهد محاولة اغتيال في الصنمين أصيبت خلالها طفلة، في استمرار لحالة الفلتان الأمني بدرعا.
في دير الزور، اندلعت اشتباكات عشائرية في بلدة غرانيج تسببت في خسائر مادية جسيمة، بما يعكس التفكك المجتمعي المتزايد شرق الفرات.
في السويداء، بدأت لجنة التحقيق الدولية عملها الميداني بعد مجازر تموز، في خطوة قد تفتح الباب أمام تدويل إضافي للملف السوري تحت بند “المساءلة والعدالة”.

خلال يوم واحد فقط، برزت ثلاث حقائق متوازية:

انفلات أمني واسع يتجلى في جرائم حمص ودرعا ودير الزور، بما يحاكي صورة “دولة ضعيفة السيادة”.
تصدعات اجتماعية وسياسية تجمع بين احتجاجات مطلبية ودينية، ومواقف معارضة تؤشر إلى غياب أي أفق ديمقراطي حقيقي.
تسابق إقليمي ودولي على أوراق النفوذ، حيث تتحرك إسرائيل عسكرياً، والولايات المتحدة قانونياً، وتركيا سياسياً، بينما تحاول روسيا استبقاء حضورها عبر زيارة وفد دفاعي سوري إلى موسكو.
النتيجة الأبرز أن سوريا اليوم أقرب إلى “ساحة مفتوحة للتجاذبات” منها إلى دولة مستقرة، وأن أي تسوية سياسية ما زالت بعيدة المنال، بينما يزداد المشهد انقساما بين صراعات داخلية دامية وصراعات إقليمية ودولية متشابكة.

المصدر: سوريا الغد

اقرأ المزيد
آخر الأخبار