قراءات سياسية فكرية استراتيجية

فرارُ رئيس انهيارُ دولة

بداية النهاية
بعد أربعة عشر عاماً من الحرب على سورية والاحتراب فيها، طُوي الفصل الأخير من سيطرة حزب البعث التي استمرت 61 عاماً، منها 54 عاماً من حكم عائلة الأسد، أي ثلثي المدة التي حكم فيها الأمويون دمشق، إذا حذفنا السنوات العشر الأخيرة التي عمّت فيها القلاقل والاضطرابات وتبديل الخلفاء أثناء حكمهم.

سيكتب الكثيرون عن فترة حكم البعث وأسرة حافظ الأسد، لكن ما دام حدث السقوط حاراً وبدّل وجه المنطقة، سنحصر ما سيأتي بأحداث الأيام الأخيرة، وتمهيداً لذلك لا بد من ذكر واقعة حدثت قبل شهر ونصف تقريباً تدّل جيداً على وقائع السقوط.

في الرابع والخامس عشر من تشرين الأول عام 2024 طلب المستشارون الروس رؤساء اللجان الأمنية في حلب وحماه وإدلب وبعض قادة الفرق والألوية إلى اجتماعات عاجلة وهامة.

الاجتماع الأول عقد في حلب، وحضره اللواء الركن محمد سلمان صافتلي، قائد الفرقة 30 ورئيس اللجنة الأمنية في محافظة حلب في مقر الفرقة، واللواء صالح العبدالله قائد الفرقة 25 المدعومة من روسيا وقائد اللواء 16 وأعضاء اللجنة الأمنية، التي تضم عادة رؤساء الفروع الأمنية وكبار الضباط.

أما الاجتماع الثاني فعقد في مقر الفيلق الخامس في معصران قرب خان شيخون وحضره اللواء نهاد صبح رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة حماه، واللواء عمران عمران قائد الفيلق الخامس اقتحام، المدعوم من روسيا رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة إدلب، ورؤساء الفروع الأمنية في المحافظتين وعدد آخر من الضباط.

أبلغَ المستشارون الروس الضباط السوريين أن معلوماتهم الاستخبارية تفيد بأن “هيئة تحرير الشام” ستهاجم مواقع الجيش السوري، وأن تعداد وتسليح المهاجمين ومندرجات خطة الهجوم على النحو التالي:

– 25 ألف مقاتل 400 سيارة دفع رباعي عليها رشاشات
– 76 دبابة ومصفحة
– 70 رشاش عيار 23
– 70 سيارة مفخخة
– 70 منصة مسيّرات
وأن خطتهم تقضي بالهجوم من محورين1:

1. عقدة محور سراقب، ومنها إلى حلب
2. ‏عقدة العنكاوي – سهل الغاب – السقيلبية – خان شيخون
يشار إلى أن الكمائن المتقدمة للفصائل المسلحة تقع على بعد مئات الأمتار من أوتوستراد حلب في محور سراقب، وهو المحور الذي تمت عبره عملية تحرير حلب في شباط عام 2020، على تقاطع خط (M4) الذي تقدمت عليه قوات الجيش السوري حينها ووصلت إلى بعد 10 كم من إدلب، وتدخلت المسيّرات التركية لإيقافهم، وطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيقاف الهجوم لأنه سيتكفل بإبعاد قوات هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل ويفتح طريق (M4) من حلب إلى اللاذقية، وهذا لم يحصل، وتنصل أردوغان من وعوده.

وصل التحذير والخطة بشكل مباشر إلى وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس، ورئيس الأركان العماد علي عبد الكريم ونائبه اللواء مفيد حسن وقادة الأجهزة الأمنية واللواء علي محمود2، نائب قائد الفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد، ما يعني أنها وصلت إلى القائد العام للجيش الفريق أول بشار الأسد، مع أنه لم يبقَ ضابط برتبة رفيعة في الجيش السوري لم يدرِ بها.

في رد فعل أولي، نشرَ اللواء صالح العبدالله حوالي 6 آلاف جندي من الفرقة 25 بين حلب وخان شيخون، لكن بعد سيطرة الفصائل على محور سراقب وتقدمهم في العمق تفرّق الجنود.

ثبتت صحة المعلومات الروسية عن الأعداد واقتراب المعركة وشوهد تطبيقها العملي على الأرض خلال الهجوم، وكأنك تقرأ في كتاب مفتوح، لكن الخطأ فيها حدث في تحديد مكان الخرق، وذلك بانتقال محور الهجوم الرئيسي، فقد نقلت الفصائل محور انطلاقها، بعد تجميع عديدها وعتادها من أنحاء محافظة إدلب، إلى بلدة دارة عزة ومنها إلى قبتان الجبل وعنجارة، ومنها إلى مدخل حلب وحي الحمدانية ثم إلى المدينة.

يعود سبب تبديل موقع الخرق إلى رصد حثيث ومعلومات استخبارية وصور جوية أظهرت انسحاب مقاتلي حزب الله والإيرانيين من محور قبتان الجبل

– عنجارة، وتم ذلك بطلب من القيادة السورية، وخروجهم من جبهة حلب، ما جعل الطريق إلى المدينة مفتوحاً إلا من بضعة حواجز للجيش السوري تركت أسلحتها وانسحب الضباط والجنود.

الدخول إلى حلب
في التاسع والعشرين من تشرين الثاني دخلت أرتال من “هيئة تحرير الشام”3 عدة أحياء في مدينة حلب، في عملية سميت “رد العدوان” بعد اشتباكات متفرقة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع من تبقى من كتائب الجيش السوري، رفض قادتها الانسحاب، وتم استدعاء بعضهم إلى دمشق وسجنهم.

تمكن المهاجمون من السيطرة بسهولة على مناطق حلب الجديدة ومشروع 3000 شقة وحي الحمدانية، ولم يحلّْ مساء يوم الجمعة 29 تشرين الثاني، إلاّ وسيطروا على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال السوري، فيما اختفت القوى الأمنية من حلب، حتى شرطة السير وقوات الشرطة المدنية تبخَّرت، وتراجع رئيس اللجنة الأمنية إلى مطار كويرس وغاب المحافظ وأمين فرع الحزب ومسؤولو الدولة، في ظل انهيار ملفت، وظهور خلايا نائمة في المدينة، وبدأت في اليوم نفسه هجرة عشرات الآلاف من السكان عبر طريق أثريا-خناصر، لأن مقاتلي الهيئة قطعوا الطريق الدولي بين حلب – دمشق.

لم يكد يوم الثاني من كانون الأول ينتهي حتى كان مقاتلو الفصائل المسلحة يسيطرون على حلب وجوارها ومطارها وجميع مقرات ومنشآت ومراكز الدولة فيها، فيما أعلن النظام أنه “اضطر للانسحاب مؤقتا لإعادة رص صفوف القوات والاستعداد مجددا لمعركة طرد الإرهابيين من المدينة.”

طبعاً باتت لازمة “رص الصفوف ” عنوان تبرير انسحابات الجيش من المدن السورية واحدة تلو الأخرى، على وقع استغراب المقاتلين المسلحين أنفسهم من هذا الانهيار السريع الذي ما كانوا يحلمون به، ودهشة المراقبين والصحفيين العالميين حتى قال أحدهم: “إن هذا السقوط السريع للمناطق السورية شكل مفاجأة للجميع”.

الجدير بالذكر أن توقيت تسريع عملية “رد العدوان” جاء بعد تسريب وثيقة تركية- روسية- سورية، بأن الجيش السوري وحلفاءه سيخوضون معركة لاسترجاع إدلب في آذار عام 2025 عبر استراتيجية القضم المتدحرج والتثبيت خطوة خطوة.

أسفرت العملية السريعة في حلب وجوارها عن مقتل 311 شخصاً من الفصائل والجيش السوري والمدنيين.

حماه
لجأ القادة الذين غادروا حلب إلى مطار كويرس، وبدأ بعضهم بمحاولة تجميع بقايا القوات الهاربة والمنسحبة، ولكن دون جدوى، فالأوامر واضحة بالانسحاب والفصائل تتقدم باتجاههم، لا بل تسبقهم إلى أماكن تموضعهم المفترضة، فيما بات طريق حلب- السفيرة- خناصر -أثريا – السلمية- حمص، يختنق بقوافل المدنيين والعسكريين الفارين من حلب ومحيطها، وعلِقَ الآلاف بعد أن قطع المهاجمون الطريق بعد بلدة السفيرة، فيما قضى الكثيرون نهاراً كاملاً للوصول إلى حمص، ما جعل القادة الموجودين في كويرس يتراجعون إلى حماه.

وصلَ اللواء صالح العبدالله إلى مدينة السقيلبية للدفاع عن محور سهل الغاب. المحور الذي يعرفه جيداً وساهم في تحريره عام 2020 من قلعة المضيق إلى كفر نبودة واللطامنة وخان شيخون ومعرة النعمان وصولاً إلى حلب.

كانت قواته قد باتت على الطريق من أثريا حتى مدينة سلمية، التي اتفقت مع قيادة العمليات العسكرية المهاجمة على التسليم، بشرط عدم دخول مقاتلي الهيئة إليها.

طلبت قيادة الجيش من اللواء صالح العودة لاسترجاع الطريق من خناصر إلى حمص، وما أن وصل إلى مقر القيادة في حماه في الثاني من كانون الأول حتى اعتقل ونقل إلى سجن القابون في دمشق بأمر من رئاسة الأركان بحجة التخاذل(!!)، وهذا معكوس ما عرف عنه طيلة حياته العسكرية، لكن على ما يبدو لم يكونوا يريدون لأحد أن يقاتل.

والغريب أنه بعد خمسة أيام، عندما قام المسلحون بتبييض السجون أفرجوا عن العبدالله وضباط آخرين كانوا مثله بثيابهم المدنية، واستغرق وصوله إلى مطار حميميم 15 ساعة.

أما اللواء سهيل الحسن فبعد عزله عن قيادة (الفرقة 25 مهام خاصة) في 9 نيسان 2024، التي فاق تعداد مقاتليها، في وقت من الأوقات 40 ألفاً، وكانت ذات تسليح حديث، وتعيينه قائداً للقوات الخاصة التي لم يتجاوز عديد منتسبيها على الورق 1000 مقاتل، فيما هم على الأرض حوالي 400 مقاتل فقط، بسلاح خفيف وبعض الرشاشات المحمولة، يوم سقوط حلب في الثاني من كانون الأول أعيد تعيين الحسن قائداً للفرقة 25، بعملية تبديل أحصنة غريب خلال المعركة، وطبعاً لم يتم التسلم والتسليم بينه وبين صالح العبدالله، لأن الفرقة نفسها كانت تنتشر على الطريق من أثريا وحتى سلمية، وتركت أليات كثيرة على الطريق وفرّ جنود كثيرون، بحيث لم يتمكن أو يسمح الوقت بجمعها، فيما العبدالله نفسه قيد الاحتجاز، لكن اللواء الحسن استطاع مع عدة كتائب أخرى استعادة جبل زين العابدين الحاكم والمشرف على مدينة حماه والمتحكم بالطريق إلى حمص من جهة وخان شيخون على طريق حلب من جهة أخرى، قبل أن تنقضَّ على المقاتلين مسيّرات شاهين، وصدور الأوامر بالانسحاب لحماية حمص، وترك من بقي في سهل الغاب وتحديداً في مدينة السقيلبية لمصيرهم، وانكشف طريق بيت ياشوط -جبلة، المؤدي إلى الساحل السوري، وطريق حماه- مصياف – طرطوس، أمام الفصائل المسلحة.

حصلت على محور قرية الربيعة على بعد 18 كم غرب حماه معركة، ثم انسحب الجيش منه، فيما ثبت محور مدينة السقيلبية في سهل الغاب (48 كم شمال غرب حماه) حيث تعرضت المدينة ذات الغالبية المسيحية الأرثوذكسية في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الخميس 4 كانون الأول، أي بعد إعلان سقوط حماه، إلى هجوم كبير تمثّل بإطلاق حوالي 300 صاروخ على المدينة، وهجوم أرتال من السيارات المصفحة القادمة من كفر نبودة ومحاور أخرى، ردّته القوة السهلية الروسية في المدينة بمؤازرة كتيبة من الفرقة الرابعة وعناصر من شعبة المخابرات العسكرية من دمشق، وبدعم وتغطية جوية روسية صلبة، فيما كانت مدينة محردة المسيحية أيضاً، قد استسلمت بتنسيق بين هيئة تحرير الشام مع كهنتها، وبقيت بلدة قمحانة (7 كم شمال حماه) تقاتل حتى ما قبل سقوط حمص.

بعد سقوط حلب ومطار كويرس وصل قادة القوات المنسحبة ومن بقي من عناصرهم وعتادهم إلى حماه، وعقد فيها اجتماع حضره رئيس الأركان ونائبه ورؤساء اللجان الأمنية في حلب وحماه وإدلب، ومحافظو المحافظات الثلاث ومندوب عن اللجنة الأمنية في حمص ولجنة منطقة الساحل، تدارسوا فيه وضع خطة للدفاع عن الساحل وربط الخط الدفاعي حماه- حمص- دمشق – الساحل، ابتداء من جب الأحمر في صلنفة مرورا بسهل الغاب والسقيلبية امتداداً إلى حماه وربطها مع الرستن فحمص إلى دمشق.

كان سقوط جبل زين العابدين الاستراتيجي بيد المهاجمين مؤشراً على سقوط مدينة حماه وتراجع الجيش إلى مشارف حمص.

والغريب أيضاً أن قيادة الجيش أكدت في الساعة الحادية عشرة والنصف صباح الخميس أن حماه حصينة ولن يتمكن أحد من دخولها، وفي الواحدة والنصف ظهراً تلقى الجنود الأوامر بوقف القتال والتوجه للانتشار شمال حمص، حينها ألقى جنود كثيرون أسلحتهم ولبسوا ثياباً مدنية، وسعى كل واحد منهم للوصول إلى أهله وقريته أو مدينته، والتحق الآخرون للدفاع عن حمص.

سقطت حماه ظهر الخميس في الخامس من كانون الأول، وفي مساء اليوم نفسه طُلب من روسيا قصف جسر الرستن (بُني عام 1958) على نهر العاصي، ويربط بين محافظتي حماه وحمص (25 كم شمال حمص) لإعاقة وصول قوات الفصائل إلى حمص وإعطاء الوقت الكافي للقوات السورية المنسحبة من حماه لتحسين مواقعها في ريف حمص الشمالي، أي ما بعد بلدة تلبيسة التي أعلن أهلها الانضمام لقوات أبو محمد الجولاني4 وكذلك سكان مدينة الرستن.

سقوط حمص
من يتمعَّن في تقسيمات خارطة سورية يجد أن محافظة حمص في وسط البلاد هي أكبر محافظة وعقدة مواصلات استراتيجية، بمساحة تبلغ (40.9) ألف كم2،تشكل (22%) من مساحة سورية، وتقسمها إلى شطرين حيث تمتد حدودها الإدارية من العراق إلى لبنان، ويعني سقوطها عزل الساحل السوري ودمشق معاً، لذلك طيلة الأربعة عشر عاماً من الحرب جهدت الدولة لإبقاء طريق دمشق-حمص- طرطوس-اللاذقية مفتوحاً.

كان تحصين حمص وأطرافها بدأ قبل سقوط حماه، وتعزز بسرعة بعد السقوط ووصول القوات المتراجعة إليها، بحيث باتت تضم أغلب من بقي من قطعات الجيش السوري.

طبعاً، كان من السخف بمكان تدمير جسر الرستن، لأن الطرق الالتفافية إلى حمص كثيرة عبر ريفها الشرقي والشمالي الغربي، وبخاصة بعد تحييد سلمية، وهذا ما فعله مقاتلو الفصائل المهاجمة حيث التف أغلبهم من شرق حمص قرب بلدة زيدل ودخلوا المدينة من دون مقاومة.

من يعرف حجم وعديد قوات الجيش السوري التي كانت في حمص ومحيطها (رغم فرار الكثيرين) يعي جيداً أن جيشاً جراراً يحتاج إلى شهور لدخولها، ومن يعود إلى تصريح محافظ المدينة الذي قال فيه: “طلبنا من الجيش أن يقاوم، لكن دون جدوى، إذ لن يدافع أحد عن المدينة”، يعلم جيداً ماذا حصل.

يوم الجمعة في السادس من كانون الأول كانت مسيّرات المهاجمين تحلّق فوق المدينة، وريفها الشمالي في قبضتهم، عندما أصدرت وزارة الدفاع بياناً تقول فيه إن “وحدات القوات المسلحة المتمركزة في محافظة حمص على استعداد لصد أي هجوم من قبل المسلحين”، لكن ما لبث أن صدر أمر القيادة العليا بالانسحاب، وفي أقل من ساعتين لم يبقَ فيها جندي واحد، فقد انسحبوا باتجاه الساحل ودمشق، ويخبر الكثيرون أن السلاح الفردي كان يملأ الطرقات.

هكذا في يوم السبت، السابع من كانون الأول كانت فصائل المعارضة قد استلمت حمص بعد أن دخلتها من الشمال والشرق، ومن دون مقاومة، كما كانت قوات حزب الله انسحبت الجمعة إلى القصير ثم البقاع الشمالي في لبنان.

شكلت الانسحابات المتتالية للجيش عامل انهيار متسارع، فعلى سبيل المثال عندما انسحب اللواء 76 من حلب كانت القطع العسكرية تتبعه، فما أن يشاهد جنود القطعات الأخرى انسحاب الدبابات حتى يلحقون بها بعرباتهم وأسلحتهم وعتادهم الخفيف، أو يتركون العربات والمدافع على جانبي الطرقات. فعلياً، لم تدمّر دبابة واحدة للجيش السوري بصاروخ (تاو) مما يملكه مسلحو الفصائل المهاجمة، الذين كانوا يلاحقون الأرتال على الدراجات النارية.

أما عدد القتلى بعد وصول الفصائل إلى حمص فبلغ أكثر من 800 قتيل، نصفهم من المهاجمين والنصف الآخر من الجيش والمدنيين.

دخول دمشق
سقوط الدولة
في هذه الأثناء وقبل أن يصل الجولاني وقواته إلى دمشق، كان أحمد العودة5 الملقب بـ “رجل روسيا” في الجنوب السوري، أي بعد التسوية التي أجراها مع الدولة، قد انقلب على تفاهماته السابقة، وقبيل وصول قوات الفصائل إلى حمص كان جهزَّ 3500 مقاتل لدخول دمشق، الذي حصل بسلاسة لأن القوات المحيطة بها، بما فيها الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري كانت ألقت أسلحتها، ولاذ الجنود والضباط بالخلاص الفردي.

دخل العودة دمشق واستولى على المقرات الهامة والأمنية والوثائق قبل وصول الجولاني، وانتشر مقاتلوه في المدينة، حيث وفرّوا الحماية لمقرات تابعة للأمم المتحدة، وسفارات عربية وأجنبية عدة، ورافقوا دبلوماسيين إلى فندق “فور سيزنز” وكذلك رئيس الوزراء محمّد الجلالي إلى الفندق نفسه تمهيداً للقائه مع الجولاني، ثم انسحبوا إلى معقلهم في درعا بعد وصول مقاتلي هيئة تحرير الشام.

يوم الأحد في الثامن من كانون الأول الساعة السادسة وثمانية عشرة دقيقة صباحاً أعلنت قيادة العمليات العسكرية سقوط دمشق، وبشار الأسد رئيساً سابقاً وهارباً.

جيش مؤلف من حوالي نصف مليون جندي ترك أسلحته وعتاده أمام 25 ألف مقاتل، وسلّم أكثر من 100 ألف كم2 في تسعة أيام، حيث إذا قسّمت الكيلومترات المربعة هذه على عدد المهاجمين لنال كل ربع واحد منهم كيلو متراً مربعاً (!!!).

لم يكن ما حصل في صبيحة الثامن من كانون الأول عام 2024 سقوط عاصمة، بل سقوط دولة بمؤسساتها الموجودة مما قبل استقلالها عام 1946، بعد أن تركت نهب القادمين الجدد، وملعباً كي تقوم إسرائيل خلال أيام قليلة بتدمير عتاد الجيش وثكناته ومراكز الأبحاث والإدارات.

وهكذا، لا ينطبق مصطلح “الفتح” الذي يحلو للبعض استخدامه، على وقائع ما حصل، لأنه لم تكن هناك معركة ولا فتوحات ولا من يفتحون، إلاّ اشتباكات في مناطق محدودة، تلتها انسحابات، وكان الأمر يشبه التسليم.

الجيش
الجيش أحد دعائم الدولة الوطنية، وتسقط وتنهار أي دولة من دون جيش وطني محترف، أو عندما يتحول الجيش إلى أداة تسلّط ويصبح ضباطه مقاولين وفاسدين .

وصل عديد الجيش السوري إلى 250 ألف مقاتل وحوالي 300 ألف مجنّد، أي أنه يتألف بأغلبيته من أفراد سيقوا إلى الخدمة الإلزامية، التي يعتبرها السوريون من أبشع ما يحصل لهم، حيث استنفذت على مدى السنوات الطوال طاقات أبنائهم ومستقبلهم، فمن النادر أن ينجو أحد منها قبل خدمة خمس سنوات تحذف من فترة شبابه وبالأخص منذ عام 2011.

فقد الجيش السوري عبر الوقت، وبخاصة في السنوات الأخيرة الروح القتالية، وذلك بعد أربعة عشر عاماً قضاها من معركة إلى أخرى، وباتت ثقة الجنود بسلاحهم وقادتهم في أدنى مستوياتها، وهم الذين أمضوا وقتاً طويلاً في الخدمة وتحت الخطر، والتعنيف والكلمات النابية والإهانات، وفقدوا الأمان وعانوا من تسلط وفساد رؤسائهم.

أما القائد العام للجيش، أي بشار الأسد فلم يتدرّج في القيادة أو يتمرّس في القتال، لا بل لم يقاتل أو يقود معركة في حياته، فقد استدعي من لندن عام 1994 بعد وفاة شقيقه باسل بحادث سير على طريق مطار دمشق، وأدخل الأكاديمية العسكرية، وخلال أقل من ست سنوات أصبح برتبة عقيد، وعند تسلّمه الحكم عام ألفين أعطي رتبة فريق أول، أي أنه لم يمرّ بالتراتبية الطبيعية أو يعرف الجيش والحياة العسكرية جيداً.

تجلّى وضع الجيش المهتز ّوالقلِق والهارب وغير الراغب في القتال خلال الأيام العشرة الأخيرة قبل سقوط دمشق، وذلك بأن ترى لواء يضم دبابات وعربات شيلكا وعربات جند يفرُّ أمام سيارتين تحملان رشاشين وعدة دراجات نارية يقودها المسلحون، أو أن تراقب على سبيل المثال تهالك اللواء 16 واللواء 76 والفرقة 8، وشكلوا عبئاً قتالياً في المكان الذي تواجدوا فيه، حيث برعَ ضباطهم في إضاعة الوقت ووضع خطط خلّبية والكلام عن نظريات لا طائل تحتها.

تعاملت القيادة طيلة سنوات الأزمة مع الجنود بخفة وقلة احترام لأبسط مقومات الصمود والحياة الكريمة، فالجندي يقتات غالباً على البيض والبطاطا والبندورة غير الطازجة والخبز البائت، فيما يصل راتبه الشهري إلى 20 دولاراً، يمكن أن يدفعها رشوة للضابط كي يحصل على إجازة ليزور أهله.

في ملاحظات أوردها أحد الضباط المستشارين الروس، وطبعاً اطّلعت عليها وزارة الدفاع الروسية، أن الجيش متهالك وموجود على الورق أكثر مما هو على الأرض، وأن القادة رغم حالة حرب ينهون دوامهم في الساعة الثالثة ظهراً، كأي موظف مدني، والخرائط القتالية الحرفية شبه معدومة، ولباسهم غير موحد، وأحذيتهم تالفة، والحواجز العسكرية تفرض الأتاوات وعند السؤال عن الأمر، يجيء الجواب بأن هؤلاء من الفرقة الرابعة ويتبعون شقيق الرئيس، وليس لقيادة الأركان سلطة عليهم.

وتابع: كنا نلاحظ أنه حتى في المعارك يستمر تدفق صهاريج النفط القادمة من مناطق قوات سورية الديمقراطية (قسد) في الجزيرة شرق سورية، ويطلبون منا عدم استهدافها، بل استهداف المسلحين حين يهاجمونها، وأشار إلى شركات القاطرجي، التي تتعهد النفط وصلة الوصل مع مافيات نفط قسد، وإلى المعابر مثل معبر سرمدا (30 كم شمال مدينة إدلب) وغيره من المعابر، وعلاقة ما يأتي منه بالفرقة الرابعة، التي تجبي الأتاوات أيضاً من المعامل، منهياً ملاحظاته بالقول: “كانوا مشغولين بالفساد لا بالقتال”.

وقال من أجل هذا قمنا بتمويل وتدريب الفرقة 25 والفيلق الخامس وسريتان للقوات السهلية الروسية في السقيلبية ومحردة إضافة إلى لواء القدس6، ومع هؤلاء المدربين والمدعومين من روسيا تم تحرير البادية وتدمر وحمص وفتح طريق حلب واستعادتها.

مع ذلك، قامت القيادة السورية بتجويف وتفريغ وتفخيخ الفرقة 25 والفيلق الخامس، وكان لضباط مقربين من القصر الرئاسي دور في الأمر جراء الحسد ونكاية بالضباط الذين يقبضون أو يتعاملون من الروس.

تتحمل القيادة العليا للجيش المسؤولية الكاملة عن تهالكه والوضع الذي وصل إليه، حيث اهتمَّ الكثيرون منهم بجمع الأموال بطرق غير نزيهة، وخلال الأيام العشرة الأخيرة قبل سقوط الدولة، فقدَ الجيش منظومة القيادة والسيطرة، وبعد التدقيق لم يكن هناك غرفة عمليات مركزية، وتعثرت، لا بل انقطعت غالباً طرق الإمداد والتموين والمحروقات والطعام والذخائر، وانهارت منظومة الاتصالات والبريد العسكري، وحتى عبر الأجهزة اللاسلكية انتفى التنظيم والتنسيق لمعرفة العدو من الصديق في أمكنة التموضع، والمستغرب قطع الانترنت عن حماه وريفها خلال المعركة، ولم يعرف السبب حتى الآن، ما منع أي تواصل وارتباط وتحكّم في الأيام الأخيرة، لأن الهواتف الخلوية كانت الوسيلة الوحيدة لذلك، وبخاصة في موضوع الإحداثيات، في ظل فوضى عارمة اجتاحت كل التحركات .

أما بالنسبة لأوامر الانسحاب التي كانت تصل إلى القادة الميدانيين، فقد كانت تأتي حصرياً من رئيس هيئة الأركان علي عبد الكريم او نائبه مفيد حسن، وبالطبع بالتنسيق مع وزير الدفاع ومكتب القائد العام للجيش.

لقد أشكل عليه من ظنَّ أن جيشاً بمثل هذه الحالة باتت لديه رغبة في القتال، أو يمكنه أن يقاتل.

الحال العامة
دخلت سورية منذ عام 2011 في مخاضها المتراجع العسير، في السياسة والعسكر والاقتصاد، حيث كانت الدولة مقطورة برأس رجل واحد استعدى دولاً على حساب دول، لكنه تابع نهج والده في الشراكة مع روسيا وإيران ثم عاد للالتفاف على هذه الشراكة عبر فتح علاقات مع دول الخليج.

قبل عام 2011 كانت الصداقة التي تربط الأسد بزعماء قطر وتركيا ملفتة للنظر، حيث أضحت دمشق وحلب وتدمر محطات سياسة وسَمَرْ لأمير قطر والرئيس التركي، فأمنَ جانبهم بخفة سياسية متناهية لم يناقشه فيها أحد، واستغفلوه حتى اعتبروه فريسة سهلة، واعترف وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم في مقابلة تلفزيونية أنهم اعتبروا سورية مجرد طريدة ” تهاوشنا على الصيدة والصيدة فلتت”، فيما بلغ الصلفُ التركي بأن عرض حقان فيدان على الأسد في بداية الأحداث، ما عُرض عليه في اليوم الأخير لوجوده في دمشق، أي المشاركة السياسية مع المعارضة وبالتحديد الإخوان المسلمين و”كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.

استثمر الأسد رصيد والده السياسي، ثم أطاح به، فقد أنقذ حزب الله النظام بعد دخوله إلى سورية منذ عام 2012 حين سيطر مقاتلوه على 8 قرى في منطقة القصير الحدودية، ثم خوض معركة القصير وإبعاد الجماعات المسلحة عنها، وفي أيار عام 2013 أعلنَ السيد حسن نصر الله في خطاب عبر التلڤزيون أن الحزب يشارك في الحرب السورية و”لن يسمح للمسلحين بالسيطرة على الحدود مع لبنان”، وبعدها قاتل الحزب في أنحاء سورية وكان سبباً رئيساً في استعادة الدولة للأراضي التي خسرتها، لكنه خسر أيضاً عدداً كبيراً من مقاتليه وقادته الميدانيين، حتى اليوم ما قبل الأخير في محور سهل الغاب، وربما كانت هذه الحرب سبباً في انكشاف وجوه قادة مهمين تم اغتيالهم فيما بعد.

أما روسيا فدخلت الحرب السورية في 30 أيلول عام 2015، عندما قام سلاحها الجوي بتوجيه ضربات على الأراضي السورية، بطلب من الأسد، وبدأ الدعم العسكري من موسكو بالظهور، واستحدثت قاعدة حميميم الجوية على تخوم مطار باسل الأسد، قرب مدينة جبلة ثم القاعدة البحرية في طرطوس، ووضعت موسكو قدميها في المياه الدافئة.

كان كل نجاح عسكري على الأرض يقابل بعملية تسوية لأوضاع المسلحين، فمن يبقى منهم داخل الأراضي التي تسيطر عليها الدولة يحصل على العفو ويتم ببغائية ملفتة ترداد جملة بلهاء تسمى العودة إلى “حضن الوطن”، ومن يرفض يضعونه في “الباصات الخضر” وهي حافلات بهذا اللون، ويشحنوهم إلى إدلب حيث تتلقفهم الفصائل وتركيا.

ما حصل مؤخراً أثبت أن مقاتلي الفصائل وأولادهم هم ممن قبلوا التسويات وذهبوا إلى إدلب وعادوا للقتال، حيث تتضح نسبة صغار السن بين قوات الفصائل المهاجمة، فيما تبيّن أن أغلب من اختاروا “حضن الوطن” كانوا بيئة حاضنة هبت لملاقاة إخوانهم الآتين من إدلب.

تابع الأسد أخطاءه في الاعتماد على حزب البعث في قيادة الدولة واختيار المسؤولين. الحزب المترهل الذي ضمّ أعلى نسبة من النفعيين والمطبلّين والفاسدين، وكشفوا مؤخراً بشكل يثير السخرية عن فساد أمينه العام المساعد هلال هلال وكثيرين غيره.

هذا الحزب الذي وعد الأسد بعد احتجاجات عام 2011 بأن يحيده عن قيادة ” الدولة والمجتمع” عاد ونكث بوعده، وحكّمه في رقاب الناس.

في بداية الاحتجاجات ذكر أحدهم أنه كان في محافظة درعا، وكانت تسمّى ” خزّان البعث” عشرات الألاف من الأعضاء العاملين في الحزب، لم يأت سوى العشرات منهم لحماية مقر الفرع في المدينة.

حَلبَ البعثيون سورية واستحوذوا على المناصب، وكتبَ أغلبهم التقارير للأمن، وطفّشوا النخب طيلة واحد وستين عاماً، وكان عددهم بعد أن أعاد الأسد تنظيمهم مؤخراً حوالي ثلاثة ملايين، لم يطلق واحد منهم طلقة دفاعاً عن “دولة البعث” أو “الأمة العربية الواحدة” و”الرسالة الخالدة” ولا عن أي مقرٍ أو مكتب، لا بل مارس معظمهم “التكويع” المنافق والانتقاد العلني للنظام السابق، والإشادة بـ “المحررين” الجدد.

لو مارست السلطة والبعث ما كانت تردده ببغائياً عن “النقد والنقد الذاتي” لعلمت أن من قاتلها منذ 2011 هم من كانوا في منظمات “الحزب القائد” مثل “طلائع البعث” و”اتحاد شبيبة الثورة” و”الاتحاد الوطني لطلبة سورية” ولكانوا اكتشفوا السبب.

أما في التعيينات فقد اخترعت السلطة نفاق “مبروك ثقة القيادة” ومثلها “الاستئناس الحزبي” على أساس أن المرحلة تستوجب “الولاء قبل الأداء” لجلب جوقة من الدبيكة إلى مواقع المسؤولية، ولطالما تساءل واستغرب الكثيرون ممن يحبون سورية كيف كان الأسد يختار بحكمة(!!) “الخزمتشي” ليحكّمه برقاب العباد.

أما في الإعلام فحدّث ولا حرج، فلو كان الأسد يدفع الملايين لمجموعات إعلامية كي تجعل الناس ينفرون منه ومن النظام، لما وجد أفضل ممن سلّمهم الإعلام. إنهم مجموعات من حملة المباخر المرضي عنهم من الأمن جعلوا الشعب لا يثق بكلمة واحدة تصدر عن وسائل الإعلام الرسمية.

صحيح أن “قانون قيصر” فعل فعله في الجسد السوري منذ دخوله حيز التنفيذ في 17 حزيران 2019 بعد إقراره من الكونغرس الأمريكي، فزاد في العقوبات ومحاصرة النظام وحرمانه من فرصة تحويل النصر العسكري إلى رأسمال سياسي. حيث تم عبره تضييق الخناق الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي والاستثماري على سورية ومن يتحالف معها، أفراداً ودولاً ومنظمات، ورفع نسبة الفقر وأدى إلى تردي قيمة العملة الوطنية، لكن السرقة والفساد والمتنفذين وأثرياء الحرب الجدد وسياسات النهب المبرمج للمواطنين والفقراء التي سادت قبل صدور القانون وتنامت بعده، كانت المسمار الأخير في نعش الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

أي مرابي خَطرَ له أن يقوم السوري بتبديل مئة دولار بالليرة السورية على الحدود، ويقضم منها عشر دولارات من فرق سعر الصرف؟

أي مرابي يفعل هذا بالمواطنين والعمال العائدين كلما أرادوا زيارة بلدهم؟

أي مرابي يجعل المواطن يدفع ضريبة جمركية على هاتفه المحمول تتجاوز أحياناً سعره الأصلي؟

أي مرابي يجبي آلاف الدولارات من الشباب الذين يعملون في الخارج كبدل عن الخدمة الإلزامية؟، ومن يستطيع الخروج والدفع سوى الأغنياء بينما يبقى الشباب الفقراء أسرى سنوات الخدمة الطويلة والاحتياط؟

أي مرابي يقوم بدفع التجار والصناعيين للهجرة لأن القوانين مجرد تضييق على العمل وخوّات؟

أي لصٍّ يسرق الحديد من الأسطح المدمرة، والألمنيوم من النوافذ من ويعيد تدويره ليباع للناس؟

أي سارق يتعامل مع المحروقات والخبز بالبطاقة الغبية، وبالتنقيط والنوعية الرديئة؟

أي عاقل يسمح لوزير الأوقاف الذي لا يعرف تاريخ بلده بالاستهزاء من مكونات في البلد وإنشاء بنى دينية في دولة تدّعي أنها علمانية، ويشير على أجهزة الأمن في التعيينات؟

أي قائد عسكري يعلم بأن الضباط يقومون بـِ”تفييش” أسماء العسكريين عندهم ويقبضون رواتبهم، وأن لا أحد يخرج من الفروع الأمنية من التجار أو المطلوبين من دون أن يدفع عن صاغر؟

أي عقل مافيوزي ذلك الذي يستدعي أصحاب محلات الصاغة والمعامل إلى الفرع “251” أو الفرع الداخلي، التابع لإدارة المخابرات العامة- جهاز أمن الدولة، المشهور بفرع “الخطيب ” نسبة إلى مكانه الجغرافي، ويقاسمهم ما يملكونه؟!.

وبعد هذا، هل من يتساءل لماذا لم يدافع أحد عن “النظام” ؟!.

الأسد
التذاكي القاتل
جاء طوفان الأقصى ليكشف هشاشة بعض أطراف محور الممانعة، وبخاصة النظام في سورية، الذي اختبأ خلف إصبعه، ومن زار دمشق خلال الأشهر الماضية اكتشف أن ما يحصل في فلسطين هو في آخر بند على أجندة اهتمامات الدولة والقيادة والشعب في جزء كبير منه، بخاصة أن حركة حماس سلّفت السوريين أنفاقاً ومساندة لإخوانهم الإخوان.

وكان السيد حسن نصرالله أوجد بنبلٍ شديد مخرجاً للأسد والنظام بتحييده عن المعركة جراء “أزماته الداخلية “. النظام ورأسه الذي تلّطى خلف هذه الأزمات ليفرّ من المواجهة، وذلك بعد تطمينات من السعودية والإمارات بأن ابتعاد دمشق عن الصراع سيتكفل بتحييدها عن ارتدادات ما سيحدث في الإقليم بضمانة الدولتين الخليجيتين.

كانت التهديدات غير المباشرة تصل إلى الأسد بطيِّ الملف الإيراني والتوقف عن مد حزب الله بالصواريخ، وكان الوسطاء يمررون هذه التهديدات عبر نصائح أخوية(!) أحياناً وسافرة أحياناً أخرى، لكن في الواقع وللأمانة كان الأسد ما يزال، حتى ما قبل اغتيال نصرالله يمرر الذخيرة والصواريخ لحزب الله، ما رفع من وتيرة استباحة إسرائيل للأرض والأهداف في سورية، وبخاصة مراكز التصنيع.

من المعروف عن الأسد العناد والمكابرة والابتعاد عن العقل النقدي، وأنه يفهم بكل شيء ولا يناقَش، ويدير أذنه للكثير من ماسحي جوخ القصر، واعتقاده أنه بيضة قبّان يصعب شطبها من معادلة المنطقة من خلال تحالفاته مع روسيا وإيران، ثم العلاقة الدافئة مع الإمارات والسعودية والبحرين وعمان.

كان يعتقد أنه يمسك بخيوط اللعبة التي أضحت فعلياً أكبر منه، لكنه لم يكن يريد التصديق والإقرار بذلك، وعندما نصحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلقاء رجب طيب أردوغان، الذي أبدى رغبته باللقاء، تملّص بكياسة بادىء الأمر ثم بقحة، “لماذا نلتقي؟ لنشرب المرطبات مثلاً؟!”.. فما كان من الرئيس الروسي في نهاية الأمر إلاّ أن ترك الأمور تسير من دون ضوابط.

تغافل الأسد عن رؤية أن المصلحة الروسية الأساس هي في إنهاء الحرب في أوكرانيا مع مجيء ترامب، وأنها وضعت أقدامها في قواعد بديلة شرق ليبيا بالاتفاق مع اللواء خليفة حفتر، وأن حليفته الوثيقة منذ أيام والده، أي إيران، أضحت في مكان آخر بعد مقتل الرئيس رئيسي ومجيء الإصلاحيين المتعبين من سورية وحزب الله معاً، وأن همّ هؤلاء الاقتصاد والاستمرار في الحكم وحماية إيران والتقرب من أمريكا، في ظل واقعية المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي لا يريد انقساماً واحتراباً في بلاده.

يعرف الأسد جيداً أن حزب الله وإيران كان لهما الدور الأكبر في بقاء حكمه قبل وبعد مجيء روسيا، لكنه خضع للضغوط والتطمينات والإغراءات الخليجية بتحجيم الحليفين الشيعيين إثر طوفان الأقصى.

فقد الرجل التوازن ونطاق الأمان وثقة روسيا وإيران معاً، والأخيرة المتأكدة أن أجهزة أو أفراداً في النظام يَسّروا عملية اغتيال المستشارين الإيرانيين في سورية.

في السابع والعشرين من أيلول عام 2024 حصل الزلزال الأكبر الذي دمرَّ حجر زاوية بناء محور المقاومة عبر اغتيال إسرائيل للرجل الأكثر شجاعة ومصداقية وإقدام وإيمان في المشرق منذ قرون.

كان اغتيال السيد حسن نصرالله، الذي لم يكن يظن أن تل أبيب ستجرؤ على اغتياله جراء توازنات الإقليم والتخوف من أن الرد سيكون مزلزلاً، ويمكن أن يفعل فعله في تل أبيب، لكن الأمر حصل ولم يكن الرد بحجم مأساة فقدان الرجل الأسمى في المقاومة.

هذه الرسالة جعلت الأسد يهتز ويرتجف، فمن تجرّأ على نصر الله، والقادة قبله وبعده، لن يوفره من التجرّؤ.

بعد عدة أيام، وفي نهاية شهر أيلول حصلت محاولة إسرائيلية لاغتيال ماهر الأسد وعدد من القيادات الإيرانية ومن حزب الله عبر غارتين استهدفتا سيارتين قرب الحديقة الفرنسية وقرب مبنى تابع للسفارة اللبنانية في حي المزة بدمشق، باءت بالفشل، فيما قضت في إحداها الإعلامية صفاء أحمد، وكان ذلك بمثابة رسالة إلى أخيه الرئيس بأنك “لم تعد في منأى”، لا بل أن اسمك بات على رأس القائمة.

فهم الأسد الرسالة وحاول إقناع أخيه ماهر بقبول العرض الإسرائيلي، الذي يقول: إما أن تقطع الطرقات على تسليح المقاومة وتطرد الإيرانيين جميعاً أو أنك “ستشطب”، وأُبلغ الروس والإماراتيون بالرسالة، وأوصلتها أبو ظبي للأسد بطلب من أمريكا.

في الثامن والعشرين من تشرين الأول نشرت صحف عبرية أن تل أبيب بعثت برسالة حازمة هددت فيها باغتيال الأسد إن لم يطرد الإيرانيين، وفي الربع الأول من تشرين الثاني نشرت مواقع عبرية أخرى تأكيداً لهذا التهديد.

من جديد حاول الأسد إقناع أخيه بالأمر لكن الأخير أصر على إبقاء من تبقى من المستشارين والمقاتلين الإيرانيين الذين يبلغ عددهم أربعة آلاف في سورية، لكن أجهزة أمنية تأتمر بأمر الرئيس شخصياً أوحت مداورة لمجموعات من الإيرانيين وحزب الله في أماكن معينة مثل شمال غرب حماه وشمال غرب حلب بأنه يمكن أن يتعرضوا “للقصف الإسرائيلي”، وذلك كي يخلوا مواقعهم، ومن يراقب خريطة الهجوم الأخير يعرف أن هاتين المنطقتين كانتا محور هجوم فصائل المسلحين.

تشير معلومات متقاطعة إلى أنه منذ بداية تموز الماضي اتخذت إسرائيل القرار بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات للقيادات في لبنان، وذلك عندما تأكد بنيامين نتانياهو بأن طهران لن تردَّ بقوة، أو تفتح جبهة أخرى، وأن ردها سيكون في حده الأقصى شكلياً لحفظ ماء الوجه، وأنها تعتبر أن نظام الأسد بات مفخخاً وعبئاً ومكشوفاً.

في أواخر تشرين الأول تأكد الأسد تماماً أن “الغطاء قد رفع عنه” وأنه لن يستطيع الاستمرار بحكم سورية، لكن عناده دفعه مجدداً لمحاولة اللعب على التناقضات الإقليمية، التي باتت فعلاً غير موجودة وتحديداً تجاه شخصه في سورية، وما التصريحات الأمريكية الرسمية وشبه رسمية، سوى تأكيد على أن التنسيق العربي – الإسرائيلي برعاية أمريكية وصل حد الذروة، ومثله التنسيق الأمريكي – التركي – الإسرائيلي، لإنهاء حكم الأسد.

كَتَمَ الأسد ما يعرفه حتى عن أقرب المقربين، وبدأ بالإعداد لخطة خروجه من المشهد السوري، أي الخطة البديلة، التي قضت بإخراج الأموال إلى جهتين: موسكو وأبو ظبي حيث كانت الرحلة الأسبوعية لشركة الطيران (أجنحة الشام) تحمل معها حقيبة تحتوي على 5 ملايين دولار، فيما الأموال التي كانت ترسل إلى موسكو خارج إطار الإحصاء والعدّ، ولكن حسب الرحلة.

كان الرجل في داخله مهزوماً، ورسم طريقة خروجه وحيداً، وترك سورية الدولة والجيش والموظفين وحتى المسؤولين والأصدقاء يسقطون سقوطاً حراً إلى قعرٍ بلا قرار…

ملاحظة لا بد منها: كان على محور المقاومة أن يستشعر الخطر المحدق بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، صاحب الدور الرئيس في المحور، في 3 كانون الثاني عام 2020، في غارة جوية أمريكية بطائرة من دون طيار بالقرب من مطار بغداد، بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرد الإيراني المسرحي على قاعدة عين الأسد الأمريكية في الأنبار غرب العراق.

الأسبوع الأخير
وصل الأسد إلى موسكو في 26 تشرين الثاني، أي قبل يوم من بدء “هيئة تحرير الشام” والفصائل الأخرى، عملية “ردع العدوان” والهجوم على حلب وذلك للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورؤية زوجته أسماء الأخرس التي تتلقى العلاج من مرض السرطان هناك، ورؤية ابنه حافظ الذي يستعد لمناقشة أطروحة الدكتوراه، وكانت عائلته هناك لحضور هذه المناقشة.

الغريب أن بوتين حدد موعد اللقاء يوم الجمعة في التاسع والعشرين من الشهر، واستُعرض فيه الهجوم على حلب والتقدم السريع للفصائل المسلحة، وكان بوتين طلب تقريراً ملخصاً لتقييم الوضع أرسله الجنرال الكسندر تشايكو، الذي وصل إلى سورية ليحلَّ محل الجنرال سيرغي كيسل، الذي بقي ليساعده في قيادة القوات الروسية.

يعرف الجنرال تشايكو سورية جيداً حيث تولى عام 2015 مسؤولية تنظيم العمليات العسكرية الروسية فيها، والتخطيط والإشراف على العمليات او تقديم الدعم اللوجستي والتنسيق مع الجيش السوري، ثم عاد لقيادة القوات الروسية في سورية من 2019 إلى 2020.

هل أُرسِلَ الجنرال تشايكو ليقود العمليات في قاعدة حميم العسكرية، قبل شهر وأيام من انتهاء مهمة الجنرال كيسل، وهو المعروف بقدرته العسكرية والسياسية معاً، بغية تنفيذ الخطوات الأخيرة لنظام الأسد؟

من يدري؟!

لم يفصح أحد عما دار في الاجتماع بين الرئيسين، لكن بوتين اتصل خلال الاجتماع برئيس أركان الجيش ڤاليري غيراسيموف عارضاً له طلبات الأسد، ومن بينها تسهيل مجيء قوات إيرانية إلى سورية، حيث يبدو أن الأسد تأكد من أن الروس غسلوا أيديهم من بقاء نظامه.

يقول أحد المصادر إن بوتين كان على اطلاع واضح على وضع وانهيارات الجيش السوري، والتقارير السابقة لمرؤوسيه في سورية شرحت ما حصل ويحصل في الجيش، وأنه أعاد طرح مسألة اللقاء مع أردوغان مجدداً وترتيب الأمور بين البلدين.

في واقع الأمر أيّا كان رد الأسد، فإن أردوغان كان حسم أمره، فجماعته في سورية تتقدم من دون رادع، وها هو قاب قوسين من الحلم العثماني الجديد.

قال وزير الخارجية التركي حقان فيدان فيما بعد إن أنقرة “لعبت دوراً رئيسياً في إقناع روسيا وإيران بعدم التدخل عسكرياً خلال هجمات الفصائل”، ما يوضح دورها المحوري فيما حصل، ووجود تفاهمات حيال الوجود الروسي بعد أن يسقط الأسد.

عاد الأسد إلى دمشق يوم السبت في الثلاثين من تشرين الثاني ومعه على الطائرة ابنه كريم، فيما لحق بهم ابنه حافظ فيما بعد، وكانت حلب قد سقطت ثم كرّت سبّحة سقوط المدن واحدة تلو الأخرى.

استدعى الأسد يوم الأربعاء في الرابع من كانون الأول رؤساء الأجهزة الأمنية وعدد من المستشارين، وبعد استعراض الوضع، وبعض البخور والتملّق المزمن من قبل الذين اعتادوا الكلام الخشبي في حضوره، أبلغهم أن موسكو باقية على دعمها (!!)، وكان هذا آخر عهد لهم برؤيته.

كان وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي وصل إلى دمشق في اليوم التالي لعودة الأسد من موسكو وأبلغه خلال اجتماعه به أن طهران “لم تعد في وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه”، وهذا رد غير مباشر على طلب الأسد من بوتين نقل قوات إيرانية إلى سورية، ولكي يزداد المشهد سوريالية تناول عرقجي العشاء الأخير في أحد المطاعم الشعبية في دمشق، ثم غادر.

مساء يوم الجمعة في السادس من كانون الأول (يوم سقوط حمص) وصل علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني إلى دمشق والتقى الأسد على انفراد ثم غادر، من دون أن يعرف أحد ماذا دار بين الرجلين.

مارسَ الأسد خلال أسبوعه الدمشقي الأخير “صمت القبور”، فكم من دعوات وطلبات وحتى توسّل له أن يخاطب الشعب ولو بكلمة، أو أن يخبره عن الأفق الذي ينتظره أو حتى يطلب منه الصمود أو التسليم.

فعلاً، فكّر ببث كلمة متلفزة، وكتبها ثم تراجع عن تسجيلها، وغاب عن البصر والسمع، إلاّ للدائرة الأضيق، فالرجل كان استسلم فعلياً وبات ينجز خطوات خلاصه الفردي، فيما موظفو القصر الكبار في “حيص بيص” لا يدرون أين وكيف وضعهم الله وحيدين في هذه المعمعة.

حتى يكتمل الفصل الأخير، وإمعاناً في إلقاء القنابل الدخانية لترتيب إسدال الستائر على مشهد النظام الأسدي السوري، تم تعيين موعد للقاء منتدى أستانا (روسيا وإيران وتركيا)، حضره وزراء خارجية الدول الثلاث، يوم السبت في السابع من كانون الأول في الدوحة، وكُلف وزير الخارجية بسام صباغ بالذهاب إلى بغداد لإجراء مشاورات حول الأوضاع المستجدة ومتابعة لقاء الدوحة.

خرج الاجتماع باللازمة الشكلية والنغمة المعروفة “دعم وحدة الأراضي السورية ووحدتها السياسية، وأهمية استئناف العملية السياسية”، وأضاف عليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة” وقف الأعمال العدائية”.

وما يدل على اتفاق الجميع على أن لا مكان للأسد في المشهد المقبل، كان مندوبو مصر والسعودية والأردن والعراق أصبحوا في الدوحة لوضع اللمسات الأخيرة مع مجموعة أستانا على المستقبل السوري.

خرج المجتمعون بقرار لوقف إطلاق النار والحرب في سورية خلال ساعات، صاغته موسكو وطهران وأنقرة، ووافقت عليه الدول العربية الأخرى إضافة لقطر، على أن تشرف الدول الثلاث على تنفيذه، وينص على: وقف إطلاق النار، وبقاء كل طرف في مكانه، وبقاء الأسد رئيساً، ووحدة أراضي البلاد، وإجراء تعديلات دستورية، وتشكيل حكومة جديدة تتمثل فيها الشراكة السياسية مع المعارضة وإجراء انتخابات عامة خلال سنة من تاريخه.

كانت الفصائل وتركيا من ورائها قد تلذذت بما تقضمه من أراضي الدولة السورية، وهي على أتم الاستعداد لمتابعة القضم.

أما تسريب وقف إطلاق النار، فساهم في تسريع وتيرة الانهيار في الجيش السوري.

عاد الوزير الصباغ مسرعاً إلى دمشق وأبلغ الأسد بالقرارات وقال له إن الوزراء في الدوحة ينتظرون رده عليها، فأجابه: غداً، ثم بدأ يطرح بعض الأسئلة والاستفسارات التي لا تغني ولا تسمن.

رد الصباغ: إنهم يريدون الرد اليوم.

في واقع الأمر، قَبِلَ الأسد بالقرارات، لكن الوقت فات، واللعبة انتهت، فدمشق باتت على وشك السقوط، وليس من مصلحة أردوغان والفصائل التوقف…

حزم أمره وحقائبه المحزومة أصلاً، وأتى الملحق العسكري في السفارة الروسية، لترتيب إجراءات خروجه الآمن من القصر إلى المطار، ومنه إلى مطار قاعدة حميميم، وبعد وقت غير طويل أقلعت الطائرة الروسية باتجاه موسكو، وعلى متنها الرئيس وابناه حافظ وكريم، ومدير شؤون الرئاسة وكاتم أسراره منصور عزام.

لم يعد الأسد في القصر…

من غرائب الحياة أن الوزير الصباغ بقي منتظراً فيما كانت قوات أحمد العودة تضع أقدامها في شوارع دمشق. ركب الرجل سيارته قاصداً مكاناً آمناً، وفي الطريق بين حمص وطرطوس اعترضته عصابة مسلحة، وكانت العصابات انتشرت منذ سقوط حلب. لم يعرفوه طبعاً، سألوه من أين وما مذهبه ومذهب سائق سيارته. لم يكن يهمهم في الأصل من هو، بل سيارته التي استولوا عليها وتركوه على قارعة الطريق في البرد القارس حتى جاء من أقلّه إلى مكان لائق.

تركَ الأسد سورية خلفه من دون أن يلتفت.

تركَ شعباً ودولة تحت سنابك المجهول.

تركَ شعباً حكمه ربع قرن من دون أن يعتذر منه أو يودعه.

تركَ قبر أبيه وأمه وأخويه تحت نعال الإساءة والتدمير

ترك بلداً لم يوقع فيه والده، الذي حكم بقبضة من حديد، صلحاً مع إسرائيل، ولم يوقع هو أيضاً، لكنه لم يرد مرّة واحدة على إذلال تل أبيب له، عبر قصفها المستمر، وباتت عبارة “رسالتين متطابقتين” للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحق الرد في “الزمان والمكان المناسبين” مثار ضحك السوريين أنفسهم..

ترك بلداً مركزياً في شرق المتوسط، طالما تغنوا بأنه “قلب العروبة النابض” يقضمه الإسرائيلي فيبتلع حرمون والجولان والقنيطرة، فيما يبتلع التركي حلب وإدلب وما يزال يتابع القضم.

ترك الذئب الراقص أردوغان، الذي رفض مقابلته و”شرب المرطبات” معه، والذي خدع الجميع، يصولُ ويجول بانكشارييه الجدد على الجغرافيا السورية قبل أن يحقق حلمه بالصلاة في الجامع الأموي…

تركَ صور آلاف الشهداء الفقراء الذين دافعوا عن سورية وعنه طيلة أربعة عشر عاماً عرضة للإساءة والتمزيق في القرى البعيدة، وترك ذويهم من دون غطاء.

نسي وهو يغادر 620 ألف ضحية تحت التراب، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، وملايين المهجّرين ومن ابتلعته البحار، في بلد بلغ عدد سكانه قبل الحرب 22 مليون نسمة.

تركَ بلاداً كانت مهداً حضارياً، يسرح فيها الشيشاني والإيغوري والأوزبكي والتركستاني والسلفي الجهادي السوري، كي يعلّموا أهلها الدين الحنيف ونمط حب الحياة (!!).

تركَ بلداً فقيراً ومهشماً ومعدماً ومتطيّفاً ولكنه مشمس، وآثر الفرار إلى صقيع موسكو.

هذا ما سيكتبه التاريخ.. ولكن من سيلتفت إلى التاريخ ؟!.

أي تاريخ هذا؟!.

غسان الشامي
المصدر:

اقرأ المزيد
آخر الأخبار