هل يمكن أن تنخرط بيلاروسيا في الصراع ضد أوكرانيا؟
لماذا تحشد كييف قواتها على الحدود مع بيلاروسيا، وتنتهك الأجواء وتثير الاستفزازات؟
د. زياد منصور
باحث في القضايا والتاريخ الروسي
أعلنت بيلاروسيا في أكثر من مرة خلال الفترة الخيرة، عن أن أوكرانيا تحشد قواتها وأسلحتها ومعداتها العسكرية إلى حدود الجمهورية، وأن مسيراتها انتهكت الأجواء والحدود البيلاروسية بشكل استفزازي، بحيث أثار ذلك تخوفًا من محاولة أوكرانيا جر بيلاروسيا إلى اتون الصراع. أمام هذه التحديات والاستفزازات أعلنت مينسك بالفعل أنها قادرة على منع أي استفزازات واعترفت بإمكانية استخدام الأسلحة النووية. والسؤال المطروح:” ما هي الأهداف التي يمكن للقوات المسلحة الأوكرانية تحقيقها ولماذا يشكل هذا الوضع خطورة على روسيا”؟
بعض الوقائع الميدانية
في 29 حزيران، أعلنت وزارة الدفاع البيلاروسية ظهور قوات خاصة أوكرانية على الحدود، وأشارت إلى أنها كانت تسجل “نشاطًا غير مفهوم وغير مبرر حتى الآن” على حدودها.
ووفقاً لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة للجمهورية، اللواء بافيل مورافيكو، فإن مينسك مضطرة إلى نقل الوحدات البيلاروسية إلى الحدود، و”بناء تحصينات معينة والاستعداد لحماية حدودها كما يفترض الأمر ذلك، وفي بعض الأحيان تحريك المدفعية والهجوم”. فالقوات المسلحة البلاروسية قادرة بفعالية على الرد.”
تشير معلومات صحفية، عن وجود أدلة على نشر مركبات مشاة قتالية أمريكية، وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة، ومدفعية ثقيلة بعيدة المدى وغيرها من المعدات بالقرب من حدود البلاد (على وجه الخصوص، في منطقة جيتومير). كما أن هناك معلومات حول تركيب أنظمة استطلاع إلكترونية من قبل الجيش الأوكراني، كما ترد أنباء عن تركيب القوات الأوكرانية لأنظمة الاستطلاع الراديوي والإلكتروني، بالإضافة إلى تجهيز الممرات في الحواجز الميدانية والألغام. تستخدم القوات المسلحة الأوكرانية طائرات بدون طيار تغزو المجال الجوي البيلاروسي بشكل دوري.
أمام هذه التطورات تختلف وجهات النظر حول احتمالات التوترات على الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا لدى المتابعين في روسيا وفي الغرب على حد سواء، بحيث أن هناك اختلافًا شاسعًا في تقدير الموقف الميداني.
في هذا السياق يعتقد العديد من المراقبين والخبراء في الاتحاد الروسي أن أزمة الحدود قد تؤدي إلى استفزازات مسلحة من جانب كييف. وبحسب رأيهم، أنه في الوقت نفسه، فإن القوات المسلحة الأوكرانية ببساطة ليس لديها القوة الكافية والقدرة للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق في هذا الاتجاه.
ويعتقد بعض الخبراء الروس أن أوكرانيا لن تفتح أي جبهة ثانية. ووفقا لاعتقادهم، فإن كييف، بغزوها أراضي بيلاروسيا على سبيل المثال، ستبطل شرعيتها بالكامل في نظر الغرب وبقية العالم. ولكن ما علاقة ذلك بالشرعية ليس واضحا تماما.
هناك، بطبيعة الحال، بعض المنطق في هذه التقييمات. في الواقع، تواجه القوات المسلحة الأوكرانية حاليًا العديد من المشكلات المتعلقة بتنفيذ أنشطة التعبئة، وتشكيل وحدات وتشكيلات جديدة، وتزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والذخيرة. تعتبر مسألة الدعم الجوي المباشر للقوات حادة للغاية في الجيش الأوكراني بسبب قلة عدد القوات الجوية ونقص أسلحة الطيران. وهذه القائمة تطول وتطول.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال قيام أوكرانيا بهجوم على بيلاروسيا بشكل كامل. ومن المرجح أن تتوسع الحوادث والاستفزازات المسلحة عبر الحدود، يليها تصعيد إلى مستوى حرب واسعة النطاق. إذ تحاول جهات غربية توسيع ساحة الحرب، وتعمل وسائل اعلام غربية على تسعير الموقف الإعلامي بشأن القضايا المختلفة حول الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا، وبيلاروسيا وبولندة على حد سواء.
توزع القوى
وبحسب المراقبين، يوجد حاليًا 120 ألف جندي من القوات المسلحة الأوكرانية على الحدود. وفي المقابل، يبلغ قوام القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا (RB) ما يقرب من 48 ألف عسكري (289 ألف فرد في الاحتياط).
هناك 30.5 ألف فرد في القوات البرية للقوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا، و11.3 ألف فرد في القوات الجوية، و6.1 ألف فرد تابعة لقوات العمليات الخاصة. في الواقع، فإن القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا أقل بكثير من حيث العدد من مجموعات القوات المسلحة لأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن الجيش الأوكراني لديه عامين من الخبرة القتالية، وهذا له أهمية كبيرة خلال العمليات القتالية.
وفقا لبعض الخبراء الغربيين، هناك أسباب قانونية دولية كافية لغزو القوات المسلحة الأوكرانية لأراضي بيلاروسيا. في الوقت نفسه، يؤكد الخبراء الغربيون أن استخدام جمهورية بيلاروسيا كنقطة انطلاق للهجوم على دولة أخرى (في هذه الحالة، أوكرانيا) يحول مينسك إلى مشارك كامل في العمليات العسكرية. ومن المؤكد أن رد فعل الغرب على غزو القوات المسلحة الأوكرانية لأراضي بيلاروسيا سيكون إيجابيا في هذا الصدد، وسيبرر للقوات الأوكرانية فعلتها بإيجاد الأسباب اللازمة كما جرت العادة في أكثر من نقطة ساخنة في العالم.
وفقًا للخبراء الغربيين، فإن المقاومة الجادة وطويلة الأمد من جانب القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا للغزو الأوكراني الافتراضي هي مسألة كبيرة. إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية هناك جنود وضباط محنكون اكتسبوا خبرات خلال عامين من المعارك والتفوق العددي والدعم المادي من الغرب. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للتقديرات الغربية، فإن احتياطيات الذخيرة في القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا هي عند الحد الأدنى المطلوب بسبب حقيقة أنه تم نقل كميات كبيرة من الأسلحة إلى الجيش الروسي خلال مراحل العملية العسكرية الخاصة. في الواقع فإن هذه التقديرات الغربية يشوبها الكثير من الشك.
هل تستفيد كييف من عمل عسكري ضد بيلاروسيا؟
في حالة حدوث عملية هجومية، يمكن لتشكيلات القوات المسلحة الأوكرانية نظريًا (إذا اعتبرنا منطقة تشرنيغوف كرأس جسر) أن تصل إلى الحدود الروسية البيلاروسية وتظهر فجأة عند ما يسمى ببوابة سمولينسك، أي المنطقة الواقعة بين نهر الدنيبر ودفينا الغربية، والذي يعتبر أقصر طريق إلى موسكو.
في حالة حدوث غزو افتراضي للقوات المسلحة الأوكرانية لأراضي بيلاروسيا، سيتعين على القوات المسلحة الروسية الوفاء بالتزاماتها تجاه حليفتها والقيام بإعادة تجميع القوات على نطاق واسع من أجل تقديم المساعدة العسكرية اللازمة لمينسك والدفاع عن خطوط الحدود الخاصة بها.
يذكر أنه لا توجد حاليًا تشكيلات وتجمعات كبيرة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي على أراضي جمهورية بيلاروسيا. ويشارك جميعهم تقريبًا في العمليات القتالية في منطقة العمليات العسكرية الخاصة.
وهنا يطرح سؤال طبيعي تمامًا: من أين يمكن الحصول على الأفواج والألوية والفرق؟ ففي نهاية المطاف، لا يمكن إرسال تشكيلات مشكلة حديثاً من المناطق الداخلية للبلاد إلى المعركة ضد الجيش الأوكراني المتمرس في المعارك.
من الناحية العملياتية، فمن أجل تعزيز المجموعات ذات الصلة من القوات المسلحة الروسية في المناطق المهددة في بيلاروسيا والوصول بها إلى المستوى اللازم لعرقلة عملية هجومية جيوبوليتيكية افتراضية للقوات المسلحة الأوكرانية، قد تضطر القوات المسلحة الروسية إلى إضعاف الهجوم على أوكرانيا وإعادة لانتشار القوات، المنغمسة في المواجهات في العملية العسكرية الخاصة.
وهذا سيخلق فرصًا مواتية لتنفيذ هجوم مضاد استراتيجي من قبل القوات المسلحة الأوكرانية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد أن نشاط وحدات وتشكيلات القوات المسلحة الأوكرانية على الحدود البيلاروسية هو جزء لا يتجزأ من خطة التمويه الاستراتيجية العملياتية التي تم وضعها في كييف، وينطوي على تضليل العدو بشأن الحقيقة، حول تكوين وحالة وتصرفات القوات العملياتية. وقد لا يكون هناك أي غزو في الواقع.
ومن خلال هذه التدابير، تعتزم القوات المسلحة الأوكرانية إجبار القوات المسلحة للاتحاد الروسي على تعزيز مجموعاتها في بيلاروسيا. وبالتالي تقليل حدة الهجمات في أهم الاتجاهات في منطقة العملية العسكرية الخاصة.
طبيعة الرد البيلاروسي؟
دون شك إن نشاط القوات المسلحة الأوكرانية وتعزيز قوتها القتالية والعددية على الحدود مع بيلاروسيا أثار قلق القيادة العسكرية السياسية في مينسك بشكل خطير.
وأعلن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، متحدثاً خلال عرض عسكري مخصص للاحتفال بالذكرى الثمانين لتحرير بيلاروسيا من الغزاة النازيين: “نحن قادرون على منع أي استفزازات على حدود الدولة”.
وبحسب رئيس الدولة، بمجرد ظهور معلومات في وسائل الإعلام حول الوضع المتوتر على الحدود مع أوكرانيا، بدأت آلاف المكالمات تصل من أولئك الذين يريدون حماية البلاد. ومع ذلك، أكد لوكاشينكو أن الجيش قادر على مواجهة التهديدات.
صرح رئيس بيلاروسيا: “نحن نعرف الأهداف الحقيقية، ونعلم من يقف وراء كل استفزاز على حدود دولة بيلاروسيا، ووراء كل تهديد إرهابي للسكان المدنيين. نحن نعرف لأننا نعمل بشكل استباقي. نحن أكثر يقظة من أي وقت مضى. لقد تعلمنا كل الدروس من بداية الحرب الوطنية العظمى. ولدينا معلم واحد فقط – هو تاريخنا. تاري المنتصرين.”
وفي تصريح لرئيس ديوان مكتب الرئيس لوكاشينكو، ديمتري كروتوي، إن مينسك لديها إجابة على أي سيناريو لتطور الوضع على الحدود مع أوكرانيا. بدوره، أكد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة في البلاد، اللواء مورافيكو، أن “بيلاروسيا يمكنها استخدام الأسلحة النووية التكتيكية إذا تعرضت سيادتها للتهديد”.
كل هذه التصريحات تعني شيئًا واحدًا فقط: أن مينسك تأخذ الوضع المتطور على الحدود على محمل الجد.
في كل حال ويتفق جميع الخبراء على أن الوضع الحالي يشكل، على العكس من ذلك، استفزازا من جانب أوكرانيا. يمكن أن تكون أسباب حاجتها إليها مختلفة، ومنها:
-الحفاظ على التوتر بين الدول من أجل استخدامه في الوقت المناسب؛
-وزعزعة استقرار حليف روسيا؛
-استفزاز مينسك للدخول في صراع من أجل اتهامها بالعدوان وإجبار الناتو على المشاركة؛
وخلق حجة أخرى تدفع دول حلف شمال الأطلسي إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا، على الأقل حتى تحل محل الأوكرانيين على الحدود (تمت مناقشة هذا الاحتمال في فرنسا في آذار)؛
-صرف انتباه القوات الروسية عن مهامها على خط التماس القتالي؛
-زيادة التوترات قبيل أي محاولات للتخفيف من الأعمال القتالية، واستجداء المزيد من المعدات العسكرية، ومنع أي إمكانية لإجراء مفاوضات بناءة، والضغط على روسيا لتشتيت انتباهها العسكري، والحد من تقدم قواتها المتسارع في دونيتسك ولوغانسك..
بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد الأهداف المهمة لهذا التصعيد هو التأثير على الأجندة الإعلامية: فكلما زاد حديث السياسيين والمسؤولين ووسائل الإعلام عن المشكلة، زادت احتمالية اتخاذ القرارات التي تحتاجها أوكرانيا عند حلفائها الغربيين. بشكل عام، يمكننا أن نتوقع أن تهدف غالبية البيانات والإجراءات الصادرة عن كييف الرسمية والقوات المسلحة الأوكرانية إلى تحقيق هذا الهدف.
العواقب المحتملة للتصعيد على الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا
إذا لم تستجب مينسك للاستفزازات، فإن التصعيد على الحدود لن يؤدي إلا إلى تسهيل مهام الجيش الروسي: بينما يقف الأفراد والجيوش والمعدات دون أي تحرك عملياتي من جانب أوكرانيا على الحدود مع بيلاروسيا، فإن الأمور تبقى ضمن السقف المتوقع.
وعلى الرغم من قلق موسكو ومينسك بشأن الوضع على الحدود، فمن غير المرجح أن يصل التصعيد إلى مستوى الاشتباك المباشر. بالنسبة لأوكرانيا، فإن هذا يعني الحاجة إلى فتح جبهة أخرى، وبالنسبة للدول الغربية – لإرسال قوات، لأن روسيا قد ذكرت بالفعل أنه في حالة وقوع أعمال عدائية على الحدود، فإنها ستهب لنجدة حليفتها، ولن يكون لدى الناتو أي خيار أو حجج لمنع إرسال فيلق من جهته. في الوقت نفسه، لا أحد في الغرب يريد أن يشارك بنشاط في الصراع، حيث يتراجع تصنيف السلطات الحالية في البلدان الرئيسية بالفعل: تواجه هذه المشكلة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا. لقد أعربت دول البلطيق الأكثر كرهًا للروس مرارًا وتكرارًا بالكلمات عن استعدادها لإرسال قوات إلى أوكرانيا، لكن في الواقع من غير المرجح أن تفعل ذلك أيضًا.
في الوقت نفسه، يعتقد في بيلاروسيا أن التصعيد ناجم عن رغبة الدول الغربية في توسيع جغرافية الصراع وجر الجمهورية إلى الأعمال العدائية النشطة. وحذرت السلطات بالفعل من أن مينسك أعدت ردا على أي سيناريو.
القوات المسلحة البلاروسية، ما لها وما عليها.
القوات المسلحة الحديثة لجمهورية بيلاروسيا هي خليفة المنطقة العسكرية البيلاروسية الغربية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وباعتبارها واحدة من الجبهات الغربية للجيش السوفيتي خلال الحرب الباردة، فقد كان تشكيلًا قويًا يضم أكثر من 200 ألف شخص في نهاية الثمانينيات.
تضمن التشكيل القتالي للقوات المسلحة البلاروسية في السابق، جيشين مدرعين، وجيشًا مشتركًا، وجيشًا جويًا، بالإضافة إلى العديد من الفرق البرية، بما في ذلك وحدات المدفعية، وكتائب الصواريخ، وفرقة المظليين وقوات العمليات الخاصة. كما تم سحب بعض وحدات مجموعة القوات السوفيتية من ألمانيا الشرقية إلى بيلاروسيا في أوقات مختلفة، مثل الفرقة الحرس المدرعة السادسة.
مع انهيار الاتحاد السوفييتي، حصل الجيش البيلاروسي المنشأ حديثًا على إرث كبير من المعدات والأسلحة السوفييتية، والتي نجح في تصديرها خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين – على غرار ما فعلته أوكرانيا. جزء من الدبابات، وعربات المشاة القتالية، وعربات النقل المدرعة، والمدفعية الذاتية الحركة، وغيرها من المعدات التي لم تُباع، أصبحت أساسًا للوحدات الميكانيكية والمدفعية في بيلاروسيا المستقلة أو تم تخزينها.
بالمقارنة مع المنطقة العسكرية البيلاروسية الضخمة التي يبلغ قوامها 200 ألف جندي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، فإن الحجم الحالي للجيش البيلاروسي يوصف بأنه “مدمج”. وفقًا لوزير دفاع بيلاروسيا فيكتور خرينين في نفس عام 2022، فإن 60٪ من أفراد الجيش هم من الجنود المتعاقدين. أي أن نسبة المجندين تظل كبيرة جدًا. في المقابل فإن الرئيس البيلاروسي ورغم هذه الأرقام قد أعلن بوضوح، على أنه وفي ظروف الحرب، ستتمكن بيلاروسيا من زيادة حجم جيشها إلى نصف مليون.
في كل الأحوال فإن الجيش البيلاروسي الحالي يتشكل من أربع كتائب ميكانيكية، وكتبتين مظليتين، بالإضافة إلى قوات العمليات الخاصة (SSO).
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك القوات المسلحة البيلاروسية وحدات مدفعية وصاروخية كبيرة: لواءان مدفعيان، وأربعة ألوية صواريخ مضادة للطائرات، وثلاثة أفواج صواريخ مضادة للطائرات، ولواء مدفعي صاروخي واحد.
يتركز سلاح الطيران في ثلاث قواعد جوية رئيسية (بارانوفيتشي، وليدا، وماتشوليشي) ويتم دمجها في هيكل واحد مع قوات الدفاع الجوي والصواريخ المضادة للطائرات والقوات الراديوية والاتصال.
هناك أيضًا قوات نقل، بالإضافة إلى وحدات مساعدة مختلفة: الهندسة والاتصالات والحرب الإلكترونية والإشعاع والحماية الكيميائية والبيولوجية (RCB).
وتمتلك القوات بشكل رسمي 1276 دبابة، إلا أن الغالبية العظمى منها في الاحتياط. هناك 446 دبابة من نوع T-72B وT-72B3 هي التي لا تزال في الخدمة، والتي تشكل أساس حظائر الوحدات القتالية. وتشكل دبابات T-72B، أساس أسطول الدبابات، هي تحديث للدبابة السوفيتية الأساسية التي تم تصنيعها في منتصف الثمانينيات.
أما T-72B3 فهي تحديث روسي أحدث (منذ عام 2011 وما بعده). ومع ذلك، فإن بيلاروسيا تمتلك عددًا لا يزال طي الكتمان من هذه الدبابات المحدثة. في الوقت نفسه، طورت بيلاروسيا منظومات الرؤية الحرارية “سوسنا-أو”، التي تُركب أيضًا على دبابات T-72B3.
كما أن بيلاروسيا تحاول منذ عام 2022 تحديث دباباتها T-72B إلى نسخة T-72BM2، والتي تشمل المناظير الحرارية “سوسنا-أو” وشبكات مضادة للذخائر القادرة على اختراق الدروع.
في الوقت نفسه، تتلقى الوحدات الميكانيكية الخاصة في بيلاروسيا من روسيا عربات مدرعة من نوع BTR-80 وBTR-82. يقوم المصممون المحليون أيضًا بتطوير عربة مدرعة خاصة بهم تُدعى Volat V2، التي تُعتبر مشروعًا بيلاروسيًا خالصًا. هذه العربة المدرعة على عجلات يمكن تجهيزها بمعدات قتالية مختلفة، مثل مدفع عيار 30 مم، أو وحدة “أدونوك-BM-30” (مدفع عيار 30 مم 2A42 مع رشاش من نوع PKT- كلاشينكوف مصمم للمدرعات).
يقيّم المراقبون العسكريون عربة Volat V2 على أنها تطوير واعد، و”بموضوعية، هي الأفضل في هذا المجال بين المركبات المدرعة القتالية.
من المهم الإشارة إلى أنه من أبرز تطويرات صناعة الدفاع البيلاروسية الحديثة هي نظام الصواريخ “بولونيز-M”، والذي يعتبر “نظيرًا لـ HIMARS” ويصل مداه إلى 300 كيلومتر. وتستخدم المنظومة صواريخ صينية من نوع A200 وA300، التي يمكن أن تطير في مسار شبه باليستي معقد. تشمل المنظومة منصة إطلاق مزودة بثمانية صواريخ، بالإضافة إلى مركبات قيادة وشحن ونقل، جميعها على قاعدة عربات سحب ذات ثماني عجلات من طراز MZKT-7930 “أستروغ”، التي تُنتج في مينسك.
وتُقدّم الدعاية المحلية منظومة “بولونيز” كأسلحة تهديدية قوية، تهدف إلى ردع أي عدوان قد يجرؤ على مهاجمة بيلاروسيا.
بجانب الأسلحة التي تم ذكرها، يمتلك الجيش البيلاروسي أيضًا العديد من نماذج الأسلحة من الإنتاج السوفيتي: نظام الصواريخ التكتيكية “توشكا-أو”Tochka-U OTRK، ومدافع ذاتية الحركة الثقيلة “ميستا-س”، و”غيازينت-س”، و”غفوزديكا”Msta-S، وGiatsint-S، وGvozdika، وقاذفات الهاون ذاتية الحركة “نونا”Nona، وأنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق “بلغراد”BelGrad. (تحديث بيلاروسي لـ”غراد”Grad)، و”سميرتش”، و”أوراغان”Smerch”، و”Hurricane”، ونظم الدفاع الجوي الصاروخية “تونغوسكاTunguska”، و”بوك-إم بي” Buk-MB (تحديث بيلاروسي لـ”بوك”)، و”S-300″ و”تور-إم2″ .S-300 و”Tor-M2″ .
وشكلت عملية نقل الجيش الروسي لأحدث أنظمة S-400 و”إسكندر-م” إلى بيلاروسيا بعد عام 2022 عملية نوعية ردعية لأي كان يفكر بالعدوان على الدولة.
أما القوات الجوية فهي من المقاتلات السوفيتية ميغ-29 والقاذفات الهجومية سو-25، بالإضافة إلى عدد من المقاتلات الروسية متعددة المهام الأحدث سو-30س م، والمروحيات الهجومية مي-24 ومي-35 الجديدة، بالإضافة إلى الطيران النقل (إيل-76، أَن-26، مي-8).
الأسلحة النووية التكتيكية:
في ربيع عام 2023، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن نقل الأسلحة النووية التكتيكية إلى بيلاروسيا، ومنذ صيف العام الماضي بدأت تظهر تقارير تفيد بأن الرؤوس الحربية النووية قد وصلت بالفعل إلى هناك.
في الواقع، يمكن لأنظمة الصواريخ Iskander-M المذكورة أن تكون حاملة للأسلحة النووية. تمامًا مثل الطائرة الهجومية Su-25، التي تم الإعلان عن التحديث المناسب لها في مينسك.
يذكر أن صاروخ Iskander-M، الذي يصل مداه إلى 500 كيلومتر، يعني فعليًّا أن تهديد الأسلحة النووية التكتيكية لم يعد يمتد فقط إلى بولندا ودول البلطيق (التي كانت موجودة من قبل من الناحية النظرية في جيب كالينينغراد التابع للاتحاد الروسي)، ولكن أيضًا إلى رومانيا والمجر وسلوفاكيا وجزء صغير من جمهورية التشيك.
وتعتقد أوساط متابعة، انه في حال تجرأت كييف على مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج في بيلاروسيا، فإن معظم أوكرانيا معرضة للتهديد. وهذا يعني أن الأسلحة النووية في بيلاروسيا مع حاملات الطائرات المقابلة تشكل تحديًا جيوسياسيًا للغرب الذي على ما يبدو يدفع باتجاه إيجاد نقاط ساخنة في أرجاء مختلفة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا يعني تهديد القارة الأوروبية برمتها.
على ما يبدو يتناس بعض مناصري الحرب واشعالها في الأوساط الغربية أن مينسك قد تكون تلقت بالفعل أسلحة نووية لديها قدرة على استخدامها إذا تعرضت سيادتها بشكل جدي للانتهاك ضمن عقيدة قتالية نووية لا تختلف عن تلك المقرة في روسيا وقواعد استخدام السلاح النووي وشرط استخدام هذا السلاح..
هل تتورط أوكرانيا عبر حشدها لعدد كبير من القوات مع بيلاروسيا، يبقى هذا رهن تحكيم العقل وعدم الرغبة في التورط الأوكراني في صراع آخر، وهذا يبدو أمرًا نظريا ، غذ أن عملية كورسك أظهرت بشكل فظ حجم الاندفاع الأوكراني للقيام بمغامرات رغم نتائجها المرة والدموية .