مقدمة
منذ سقوط النظام السابق وصعود أحمد الشرع (الجولاني) إلى الحكم، روّجت سلطته لنفسها كخيار بديل قادر على إدارة المرحلة الانتقالية وبناء نموذج مختلف. غير أنّ حصيلة تسعة أشهر تكشف عن سلطة مأزومة، تعيد إنتاج الاستبداد بوسائل جديدة، وتمزج بين الهزل الإعلامي والعنف الدموي، وبين الوعود الوهمية والفساد الممنهج.
1- إعلام التكتوك: تسطيح المجال العام
أولى أدوات الشرع في تكريس حكمه لم تكن مشروعاً سياسياً أو برنامجاً وطنياً، بل ما يمكن وصفه بـ”حكم التكتوكر”. عبر استقدام وجوه مبتذلة من هامش الثقافة والاحترام والخبرات وإطلاقهم في فضاءات التواصل الاجتماعي، جرى تحويل الخطاب السياسي إلى مادة استهلاكية رخيصة، تقوم على السخرية والشتائم والإيحاءات الرخيصة. هذا الاستخدام المفرط للتسطيح الإعلامي يعكس غياب أي مضمون جاد للحكم.
2- حكم المجازر: السيف بدلاً من الحوار
بدلاً من بناء شرعية سياسية عبر التسويات أو التفاهمات، لجأ الشرع إلى القمع الدموي. مجازر في الساحل، حملات دموية في السويداء، تفجير كنائس واستفزاز ديني عبر “سيارات الدعوة”، كلها تؤشر إلى استراتيجية قائمة على بثّ الرعب وترسيخ السيطرة بالقوة الغاشمة. إنها إعادة إنتاج لمنطق النظام السابق، ولكن بوسائل أكثر مباشرة ودموية.
3- اقتصاد الوهم: مشاريع بلا أثر
وعود استثمارية وسياحية واقتصادية ضُخّمت عبر إعلام السلطة، لكنها ظلت حبراً على ورق. شركات خلبية، ميزانيات وهمية، وصور إعلامية تستعرض “نهضة” لا وجود لها. هذا النموذج يكرّس اقتصاداً قائماً على التضليل، يعمّق الأزمة بدلاً من معالجتها.
4- حكومة الاستعراض: وزراء بلا كفاءة
تشكيلة الحكومة الجديدة عكست منطق الاستعراض أكثر من منطق الإدارة. وزراء يفتقدون الخبرة والكفاءة، يُختارون على أسس طائفية أو ولائية، ويتحوّلون إلى واجهات إعلامية نشطة على منصات التواصل الاجتماعي، بينما تتراجع مؤسسات الدولة إلى حدود الانهيار.
5- التبعية والخيانات: من الدم إلى الانحناء
مقتل عناصر من صفوف الشرع بضربات روسية لم يدفع السلطة إلى مراجعة موقفها، بل إلى مزيد من الارتهان. سارع إلى استجداء موسكو، مبرراً ومسوّغاً، في مشهد يظهر كيف يمكن لدماء الحلفاء أن تُستبدل بابتسامة وولاء لمَن قصفهم بالأمس.
6- التفريط بالسيادة: صفقات بلا مقاومة
الأخطر تمثل في خروج محافظات كاملة تحت سيطرة إسرائيل، دون مواجهة أو حتى إصدار بيانات شجب شكلية. صمت الحكم أمام هذه التطورات يرقى إلى مستوى التواطؤ، ويكشف عن استعداد عميق للتنازل عن السيادة الوطنية دون مقابل.
7- دولة الفساد والانهيار الخدمي
على المستوى الداخلي، تفككت المؤسسات وفشلت السلطة في تأمين أبسط الخدمات: الكهرباء، المياه، النظافة، القضاء، والأمن. انتشرت الجرائم والنهب، وتراجع الإحساس بالأمان، فيما ظل الفساد المالي والإيرادي السمة الأبرز لإدارة الموارد.
خاتمة
ما يظهر بعد تسعة أشهر هو سلطة مأزومة، تقوم على الهزل الإعلامي والقمع الدموي، وتستند إلى مشاريع وهمية وحكومة استعراضية، بينما ترتهن للخارج وتفرّط بالسيادة وتغرق في الفساد. حكم الشرع لم يشكل بديلاً للنظام السابق بقدر ما أعاد إنتاجه بوجه أكثر هشاشة وتفاهة، ما يجعل مستقبله عرضة للانهيار الذاتي قبل أن يسقط بأي مواجهة خارجية.