قراءات سياسية فكرية استراتيجية

 

اخر الاخبار

لماذا اسرائيل ” غاضبة” على دول الخليج؟

العدوان الاسرائيلي المفاجيء على الشقيقة قطر، المرخّص له أميركياً كما بات مؤكداً الأن، لا يزال يثير الكثير من علامات الاستغراب والاستفهام:
– هل منطقي ان تضرب اسرائيل في منطقة عربية هي الأكثر ترشيحاً ليس لابرام المزيد من اتفاقات السلام وحسب، بل اولا وأساسا التطبيع الكامل وعلى كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية وحتى الايديولوجية( إضغام ابراهام التوراتي – ومعه ارض اسرائيل الكبرى الموعودة- بالنبي ابراهيم الاسلامي) مع الدولة العبرية؟
– وهل من المعقول ان تقبل واشنطن بهز استقرار منطقة تحتضن أكبر قواعدها العسكرية المتطورة في المشرق وغرب آسيا، ومنطلق أهم الواردات الاستثمارية إليها والتي لامست مؤخرا سقف التريليونات من الدولارات؟
– وأخيرا، كيف يمكن لقادة حلفاء اميركا الاقليميين الأساسيين في الاقليم، السعودية ومصر وتركيا والمغرب، ان يناموا في الليل قريري العين وهم يغلقون عيناً ويبقون الأخرى مشرعة لمراقبة رئيس اميركي لا يتورع عن ممارسة الخداع الاستراتيجي حتى ضد أقرب حلفائه واصدقائه؟
كل هذه أسئلة عميقة ودقيقة. لكنها في الواقع تقفز فوق حقيقة المعطيات الموضوعية الجديدة التي انبثقت مع بدء حروب العام ٢٠٢٣، والتي تشير ببساطة ووضوح الى ان اسرائيل والولايات المتحدة قررتا إقامة نظام إقليمي مشترك جديد في المنطقة مهما كلّف الامر. والحياد في هذه النقطة ممنوع.
لكن، كيف سيقام مثل هذا النظام؟
ببساطة، عبر تدمير النظام الاقليمي الذي حاولت إيران إقامته هي وأنصارها منذ انتصار ثورتها العام ١٩٧٩.
كل ما يجري الان في غزة ولبنان والعراق واليمن، وفي الداخل الإيراني نفسه، يندرج في إطار هذا القرار بتدمير النظام الاقليمي الإيراني بشكل كامل وتام.
وهنا يجب الاعتراف( بمرارة) أن القوى الإقليمية الأساسية الأخرى في الاقليم، وهي تركيا ومصر والسعودية، كانت تشعر بالارتياح ضمناً لتقليص او حتى ضرب النفوذ الايراني في المنطقة، لاعتبارين إثنين:
الاول، ان ايران الاسلامية ارادت الاستفراد بإنشاء النظام الاقليمي الجديد، ما اثار المخاوف( السياسية والايديولوجية) في السعودية، والقلق والرفض ( الجيو سياسي ) في مصر وتركيا.
وهذا خطأ تكرر مرارا عبر الناربخ الحديث للاقليم، مرة مع محاولة مصر الناصرية بناء نظام اقليمي قومي عربي في مواجهة تركيا وإيران، ومرة اخرى في محاولة تركيا إقامة نظام إقليمي عثماني جديد بمعزل عن مصالح إيران ومصر والسعودية.
ومثل هذه الأخطاء كانت في أساس كارثة “لعبة الكراسي الموسيقية” الاميركية في المنطقة التي تحدث عنها باستفاضة احمد داوود أوغلو، والتي تقوم على تحريض ضلعين من المثلث الذهبي الحضاري في الاقليم ضد إي ضلع ثالث متمرد.
والاعتبار الثاني ، هو ان تركيا ومصر والسعودية اعتقدت ان إنهاء النفوذ الاقليمي الايراني، سييمكًنها حتماً من ملء الفراغ وبث الروح في مشاريعها المنفردة الخاصة بالنظام الاقليمي.
بيد ان حسابات الحقل لدى هذه الدول لم تتطابق مع مخططات البيدر الاسرائيلي( الأميركي ).
فتل ابيب اعتبرت أنها تخوض الحروب ضد إيران على كل الجبهات، كي تقيم نظامها الاقليمي الخاص هي لا لتترك لحلفاء أميركا فرصة قطف الثمار مجاناً.
ثم، وهنا الاهم، اسرائيل تعتبر أنها تخوض حرباً وجودية بالدم مع إيران وحلفائها. ولذلك من غير المقبول بالنسبة إليها ان يقف حلفاء اميركا العرب فوق السور يتفرجون على ما يجري، لا بل يقيمون الولائم لإيران، ويشاركون في الحملات الدولية ضد تل ابيب تحت شعار حرية فلسطين ، ويستقبلون كما قطر. حلفاء طهران مثل حماس وغيرها، ويتركون اسرائيل وحيدة في الميدان.
هنا، وفي هذا الإطار بالتحديد، يجب على ما نعتقد وضع مدلولات الهجوم الاسرائيلي غير المسبوق على الدوحة: إنه في الواقع رسالة بالنار الى جميع حلفاء أميركا ( بدعم من أميركا نفسها) بأن عليهم النزول عن السور، والانضمام الى الحرب ضد إيران وكل حلفائها. إمساك العصا من الوسط، بين طهران وتل ابيب، لم يعد مقبولا. وترك اسرائيل وربها ليقاتلا ( ونحن هتا قاعدون) لم يعد مسموحا به. واسرائيل، كما أعلن بتيامين نتنياهو ستواصل ضرب قطر واي دولة اخرى.ط اذا لم تنضم إلى الحرب الإسرائيلية الشاملة.

هذه ، اذا، قد تكون الرسالة الحقيقية وراء الاعتداء على الدوحة، والتي يفترض الان أنها وصلت إلى كل المعنيين في المنطقة.
وإذا كان احد من هؤلاء المعنيين لا يزال يراهن على ان الولايات المتحدة لن تترك الخليج وغيره وحيدا في مواجهة هذه الهراوة الإسرائيلية العنيفة، فعليهم أن يتذكّروا ان واشنطن انغمست هي نفسها في عهد ترامب ( وللمرة الأولى منذ ٤٠ عاما) في حرب مباشرة مع إيران، وأنها بالتالي تدعم تماما المساعي لاقامة نظام اقليمي اسرائيلي مكان النظام الاقليمي الإيراني( وليس حتماً نظاما عربياً- اسرائيليا، او نظاما تركياً- اسرائيليا).
*
لقد أشرنا في البداية إلى تعدد الاجتهادات عن أهداف الاعتداء على الدوحة. لكن، ربما بات واضحا الآن ان تل ابيب تحتضن في الواقع اجتهادا واحدا هو:
على دول الخليج وباقي الدول التي تقيم علاقات معها، ان تقبل بكل شروط ومندرجات الحرب الاسرائيلية على إيران وحلفائها. فالدم اليهودي غالِ وموغل في لاهوته، واليهود تاريخياً لم يعتادوا تقديم لا الخدمات ولا الوجبات المجانية.
والان، وإذا لم تلتقط القمة العربية- الاسلامية العتيدة في الدوحة هذه الرسالة، فقد تجد الهراوة الإسرائيلية( المرخَص لها أميركياً ) فوق رؤوس الجميع مجددا.

اقرأ المزيد
آخر الأخبار