قراءات سياسية فكرية استراتيجية

“ترامب برغر” ينهي “حلمه الأميركي” القصة الحزينة للبناني مهدّد بالترحيل

المفارقة استأهلت كل الضجة التي أحدثتها: صاحب سلسلة مطاعم “ترامب برغر” في ولاية تكساس تبيّن أنه مقيم غير شرعي، وهو بانتظار جلسة محاكمة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، قد تنتهي بترحيله. إلى أين؟ إلى لبنان.

رولاند محرز بعيني (28 سنة)، اللبناني الذي جاء إلى أميركا بتأشيرة غير مهاجر، بقي في البلاد بعد الحد الأقصى القانوني، إذ كان يفترض أن يغادر في شباط/فبراير العام الفائت. في أيار/مايو من العام الحالي ألقت دائرة الهجرة والجمارك القبض عليه، واحتجز حتى حزيران/يونيو حين أخلي سبيله بكفالة، بانتظار استماع قاضٍ إليه.

تنبه الإعلام إلى قصة بعيني في جلسة محكمة تشهد نزاعاً بينه وبين مالك مبنى أحد مطاعم السلسلة، والذي استعاد المبنى بعد حصوله على حكم بأن المستأجر (بعيني) أخلّ بشروط السلامة في عقد الإيجار. مالك المبنى أبقى المطعم على حاله، وغيّر الاسم من “ترامب برغر” إلى “ماغا برغر”. خلال جلسة الاستماع، عُلم أن بعيني قيد الاحتجاز في مركز لدائرة الهجرة.

نزاع قضائي ثانٍ يخوضه بعيني ضد شريكه أيّاد أبو الهوا، أو كما يعرف باسم إيدي هوا. نزاع على الشركة المحدودة المالكة للعلامة التجارية والمطاعم. بعيني يزعم أنه يملك نصفها بعدما دفع 65 ألف دولار لشريكه أبو الهوا عام 2019. الأخير يقول إنه ليس لدى بعيني ورقة رسمية تثبت ادعاءه، وقد رفع دعوى مضادة يطالب فيها بمليون دولار تعويضاً عن تشويه السمعة.

بعيني ليست لديه إقامة دائمة (غرين كارد) بحسب الجهات المختصة، كما أن طلبه المقدم للحصول على الإقامة من خلال الزواج رُفض، لأن لا إثبات على أنه يعيش مع زوجته، مما يعني أنه زواج مدبر بقصد حصوله على الجنسية.

بعيني، باختصار، في مأزق. الشاب اللبناني وجد نفسه خارج المطاعم، ومن دون مسوّغ قانوني يبقيه في البلد، وعرضة لتشفي خصوم ترامب وسخريتهم من الترامبي الذي انقلبت ترامبيته عليه، خصوصاً أن إدارة ترامب استغلت القبض عليه للقول إنها لا تميز في إنفاذ القانون بناء على التوجهات السياسية للمشتبه بهم. كذلك، أضافت أن بعيني لديه زيجات متعددة زائفة، وتهمة اعتداء لم توضح فحواها، لكن الأرجح أنها ستظهر لاحقاً.

بعيني الذي قد يكون ضحية “معلومة” تطوّع “فاعل خير” بإيصالها إلى دائرة الهجرة، هو أيضاً ضحية المفارقة البرّاقة إعلامياً للمهاجر غير الشرعي الذي يستغل اسم ترامب، عدو الهجرة والمهاجرين الأول، في سلسلة مطاعم تلاقي رواجاً كبيراً لدى هواة النوع من الماغاويين في الولاية الجنوبية التي كانت معقل الجمهوريين قبل أن تتحول إلى عرين ترامب الأكبر في أميركا.

وبعيني بريء في الأصل من فكرة المطعم نفسها. في عام 2016، قرر إياد أبو الهوا وزوجته سو، تغيير اسم مقهى يديرانه في “بيلفيل” إلى “ترامب كافيه”. يبدو أن إياد التقط في حينه ما لم يلتقطه الإعلام الليبرالي، أو تغاضى عنه، أي الصعود الجماهيري الصاروخي لدونالد ترامب في أميركا، فكيف في تكساس! وقرر اقتناص الفرصة، في ذروتها، خلال الأشهر السابقة لموعد الانتخابات الرئاسية.

يشرح تقرير نشر في وسيلة إعلامية محلية ذاك العام، أن أبو الهوا مسلم “إسرائيلي” مهاجر من القدس، قرر “أمركة” قائمة الطعام تماماً كما أمركة كل شيء في المكان حتى الـ”تي شيرتات” التي يبيعها للزبائن. هذه الأمركة كانت ترامبية حصراً، وجذبت الجمهور من تكساس ومن ولايات أخرى بعيدة، قادوا لساعات لعيش التجربة الفريدة لالتهام همبرغر مختوم باسم ترامب.

أبو الهوا اعتبر في المقابلة بأن ترامب ليس ضد المسلمين ولا الأقليات، وأضاف أنه يؤيد بقوة بناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. “في بلدي”، قال، “لدينا حدود”. “هناك جدار هائل بين القدس والضفة الغربية. الجميع يريدون حماية بلدهم”.

الكافيه تحوّل في عام 2019 إلى “ترامب برغر”. المطعم الأول من السلسلة في مدينة بيلفيل تملأ جدرانَه صورُ ترامب وعباراته كما يختم خبز الشطيرة بكلمة ترامب. وفي قائمة الطعام نجد شريحة باسم “ترامب تاور”، وأخرى باسم “ميلانيا كريسبي تشكن”. على القائمة نرى أيضاً صورة الرئيس السابق جو بايدن، مشطوبة بعلامة إكس حمراء، فوق اسم “بايدن برغر”، وهو مكوّن من “أونصة واحدة من اللحم (28 غراماً)، مع بندورة قديمة وأعتق خبز لدينا، وغير متوافر بسبب الغش والتضخم، وثمنه 51 دولاراً”. نكتة لإضحاك الزبائن.

ليس واضحاً حتى الآن ما الدور الذي لعبه بعيني في تكاثر المطاعم التي تستخدم شبيهاً لترامب يمشي بين الطاولات مقترباً من الزبائن اللاتينيين، ليقلد الرئيس وهو يسألهم ما إذا كانوا مقيمين شرعيين، إلى غيرها من أساليب التسلية التي تعتمدها السلسة في الترويج لمطعمها. لكن الأيام الذهبية لسلسلة المطاعم يبدو أنها تمضي إلى نهايتها.

قبل أن تخرج قضية بعيني إلى العلن وتنكشف السلسلة بهذه الطريقة الفاقعة، كانت منظمة ترامب التي تمثل الأعمال التجارية للرئيس أرسلت خطاباً قانونياً تطلب فيه من السلسلة إيقاف استخدام اسم ترامب والعلامة التجارية المسجّلة باسمه، لأن الاستخدام ينتهك حقوق الملكية الفكرية للمنظمة ويضلّل الجمهور. وطالبت المالكين بتقديم تقرير كامل عن جميع الإيرادات الناتجة من الاستخدام غير القانوني لاسم ترامب، أي، عملياً، كل دولار أدخلته الشركة إلى رصيدها من المبيعات. وهددت المنظمة باتخاذ إجراءات قانونية إذا لم تمتثل شركة المطاعم للطلب. وفي الوقت الذي لم تظهر فيه معلومات عن المسار القضائي لمطالبة المنظمة، فإنّ المطاعم وأصحابها باتوا تحت الضوء. الأول، بعيني، لبناني مهاجر غير شرعي، والآخر، أبو الهوا، يتشابه اسماً وسناً ومواصفات ومكان إقامة مع محكوم عليه في عام 2007 بالسجن 46 شهراً في إدارة عملية تزوير 1600 لقاح أعطيت لموظفي شركة بترول بصفتها ضد الرشح، بينما كانت اللقاحات مملوءة مياهاً مقطّرة.

هذه القصة لم تنته فصولاً. وهي واحدة من القصص الأميركية المثالية، التي يتداخل فيها الحلم الأميركي في المبالغة بالتذاكي والتحايل على كل شيء من أجل تحقيقه، وفي الصراعات التي تدور في متنه بين أبناء الجلدة نفسها، وفي الشطارة المذهلة باستغلال اسم دونالد ترامب نفسه رئيساً وزعيم إيديولوجيا باتت سمة العصر الأميركي الحالي لبيع همبرغر ثمنه 13 دولاراً.

اقرأ المزيد
آخر الأخبار