قراءات سياسية فكرية استراتيجية

رئيس من الإثنية التركمانية يصبح …”المواطن العربي الأول”

قرأت نصا جميلا عن سوريا فرأيت أن لا بد من تسليط الضوء على الآتي .
النص
راااااااااااااااائع
و لا بد من اكتمال الصوره بقول حقيقه تجهلها الأكثرية الساحقة الماحقة من العرب ، و خصوصا السوريين ، وهي أن الرئيس الكبير شكري القوتلي كان سوريا عربيا حتى العظام وهو من الإثنية التركمانية ، و هنا لا بد من التوقف مطولا للتأمل بالحقائق الآتيه :
أولا : إن الكيانية السوريه كانت ، بطبعها و تركيبتها ، كيانية جامعه تجعل منها أعظم مختبر للإثنيات و للأعراق في بلدان الشرق ، و المختبر الإثني الوحيد في العالم العربي .
ثانيا : إن العروبة المؤسساتيه ، أي منذ قيام الدولة العربية في العهد الأموي بدمشق ، راحت تتألق كعروبة حضارية جامعه تنصهر فيها الأعراق و الإثنيات و الطوائف و المذاهب بتناغم مدهش ما ساعد على ولادة أروع تجربة حضارية ، و المقصود هنا تجربة الأندلس المجيده و ذلك في أوج استفحال ما عرف بالحروب الدينية في “القارة العجوز” أو ما يسمى جزافاً ب”أوروبا”، تيمنا بالأميرة أوروبا الفينيقية الكنعانية ، إبنة ملك صور و ولية عهده التي خطفها الإله الإغريقي “زيوس”بعد أن عجز عن إغرائها بشكله و بهويته فحول نفسه إلى ثور مجنح و اقترب منها فما أن لمست وجهه بحنان و عاطفه حتى خطفها و طار بها إلى جزيرة كريت الإغريقيه، وهناك ، تذكر الأسطورة الإغريقية أن الأميرة الفينيقية الكنعانية أعجبت بجمال “القاره العجوز” إلى حد أنها “وهبت” اسمها لهذه القارة فصارت تعرف بالقارة الأوروبيه ، فشكلت حادثة الإختطاف هذه أول عملية خطف و احتجاز رهائن في تاريخ البشريه و ذلك حسب المفاهيم القانونية و المواثيق الدولية المعتمدة في أيامنا هذه ، أي أول عملية إرهاب دولي من نوع إرهاب دوله و إرهاب قاره ، و هي جرائم لا تسقط بالتقادم ، بمرور الزمن ، و ذلك وفق القوانين الوضعية المعتمدة في أيامنا هذه .
ونعود من الأسطورة إلى الحاضر للقول أن الرئيس شكري القوتلي هو ثاني رئيس لسوريا من الإثنية التركمانية بعد الرئيس هاشم الحسيني .
و بعد انهيار دولة الوحده مر على سوريا رئيسان من الإثنية التركمانية هما اللواء لؤي الأتاسي ثم الدكتور البعثي نور الدين الأتاسي .
ثالثا : ومن منطلق الإيمان العميق بهذه العروبة الحضاريه ، الأنموذج للإنفتاح و التفاعل الحضاري ، أطلق الزعيم شكري القوتلي حركة “العروبه الفتاة” في العام 1907 كرد على أطروحات حركة “تركيا الفتاة” و لتأكيد رفضه المطلق لأكاذيب الإستعمار الغربي ، و تحديدا الفرنسي ، إذ كانت “النخب” الوطنية يومها واقعة تحت سحر مبادئ الثورة الفرنسيه(1789) .
و إذا بأحداث التاريخ المتسارعة تعطي القوتلي الحق في مواقفه الوطنية الحادة كحد السيف ، إذ وقعت فرنسا مع بريطانيا على إتفاقيات سايكس-بيكو في شهر أيار من العام 1916 ، ثم صدر وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 , وهي الإتفاقات التي مزقت سوريه الطبيعية الى كيانات متنابذه كان المطلوب من قادتها ، أساسا ، أن يلتحقوا بشكل تدريجي في المنظومة الصهيونيه بما يسهل قيام دولة اسرائيل ثم توسعها خطوة تلو خطوه .
و هذا ما حدث و يحدث ، فالتقسيمات الإستعماريه “ليست مجرد حدود بل هي جراح” في جسد الأمه كما قال الرئيس القوتلي يوم الإعلان رسميا عن قيام دولة الوحده و ذلك في حوار مطول مع الكاتب الفرنسي بونوا ميشان نشرها الأخير في كتاب له يحمل عنوان : “ربيع عربي”. يا لسخرية القدر .
رابعاً : الرئيس شكري القوتلي لم يكن مجرد حالم ، رومانسي ، كما يقولون ، بل كان شديد الواقعية يقول كلمته حيث يجب أن يتفوه بها . فقبل لقائل المطول مع الكاتب الفرنسي آنف الذكر بحوالي الساعتين ، و أثناء تبادل الخطب و التهاني مع الرئيس الزعيم جمال عبد الناصر ، أي في جلسة التسلم و التسليم بينهما ، وجه شكري القوتلي نصيحة لشريكه في تحقيق حلم الوحده :
” لك تهنىتي يا سيادة الرئيس ! إنك لا تعرف ماذا أخذت . إنك لا تعرف الشعب السوري . فقد ورثت أمة نصف أفرادها من السياسيين ، و ربع آخر من أفرادها يعتبرون أنفسهم من الأنبياء ، و ثمن الأمة يعتبرون أنفسهم من الآلهة .
إن في سوريا أناسا يعبدون الله و أناسا يعبدون الشيطان ، بل إن هناك طوائف و فرقا تعبد عضوا معينا من أعضاء المرأة لأنها تعتبره ينبوع الحياة”.

( اقتباس من كتاب “صراع القوى الكبرى على سوريا – ألأبعاد الجيو سياسية لأزمة 2011” – للمؤلف الدكتور جمال واكيم ).
لو أخذ الرئيس عبد الناصر هذه النصيحة بعين الإعتبار لما فشلت تجربة حلم الوحدة بهذه السرعه و بشكل ذريع .
هذه النصيحه كانت تصلح في الماضي و هي تصلح اليوم و أغلب الظن أنها سوف تصلح مستقبلا .
رب العالمين وحده يكتفي بذاته .

الكاتب: حسن حماده

اقرأ المزيد
آخر الأخبار