رؤيا قومية وحدوية للواقع العربي والاقليمي الراهن، وسبل مواجهة المخاطر .
من الواضح لكل ذي بصيرة ان الاحداث الخطيرة والتي حدثت في الفترة الاخيرة داخل ساحات امتنا العربية، لم تكن مفاجئة او انها وليدة وقتها .. فمنذ ما بعد اتفاقية كامب ديفيد بدأ الواقع العربي في التردي في سلسلة ضمن مخطط كامل ومعد، كما تبين لنا احداث السنوات الاخيرة .
اننا ونحن في ايام الذكرى السنوية الثالثة والسبعون لثورة 23 يوليو تموز القومية التحررية، علينا اولا ان ندقق في مجريات ما يحدث على الارض، ونبحث عن الوسائل التي يستخدمها خندق الاعداء وعملائه في الداخل، ثم نحاول ان نستنهض فينا وفي جماهير امتنا وسائل وامكانيات المواجهة والرد .
ونحن نقول هذا، يتضح امامنا الصمود الذي ابداه شعبنا في غزة وهو يقاوم حربا متعددة أوجه وأساليب الاجرام فيها من قتل وتجويع وحصار، ورغم هذا فان المقاومة الفلسطينية في القطاع لم تتهاون او تتراجع في مواجهاتها للعدو المدعوم من كل قوى الاستكبار الامبريالية العالمية .
ورغم الخسائر التي تلقتها امتنا في اكثر من ساحة عربية وعلى التحديد في لبنان وسورية .. فاننا يجب ان نضع ايدينا على اهم اسباب جروحنا التي تزداد وتتقيح في اكثر من ساحة، وهي الفتنة التي توججها موسسات مخابراتية مختصة في هذه الشؤون، حيث استطاعوا من خلالها اختراق الامن القومي العربي وتجنيد العديد من المرتزقة والجواسيس في كل المستويات والميادين .. ان هذا الموضوع يجب ان يجعلنا نبحث عن اسباب تلك الاختراقات التي احدثت خسائر جسيمة ونكسات في تلك الساحات والتي يمكن ان تحدث مثلها او اكثر منها في ساحات اخرى .
وفي موضوع الاحداث السورية، فاننا ندين المؤامرة عليها، والتي آلت الى سقوط الدولة، ودخول سورية في حومة صراعات وجرائم طائفية تقوم بها مؤسسات “رسمية” تابعة للادارة الجديدة، وتقوم “اسرائيل” باستغلالها لغرض توسعها وفرض سيطرتها على اراضي سورية جديدة وفرض شروطها، وقد سبق ان قدمت الادارة الجديدة العديد من الخدمات للكيان الصهيوني، منها نقل رفات الجاسوس كوهين، وتصفية سلاح الجيش العربي السوري وتسريح قياداته وضباطه ومقاتليه، وابدالهم بمرتزقة اجانب وعناصر ارهابية من “داعش والنصرة والقاعدة وغيرهم” .. اننا ندين هذه المؤامرة ونقف مع احرار سورية في الخلاص من هذه الاوضاع، ووأد الفتن، والمحافظة على وحدة سورية وسيادتها .
لقد حدثت مشاركات عربية اسنادا لمعركة طوفان الاقصى، كان بعضها يجب ان يوجه الى قواعد جيوش ساندة للعدو الصهيوني تحتل اجزاء من وطننا العربي، وهذا ما قامت به الجمهورية اليمنية من خلال تصديها للسفن الناقلة للمواد الى الكيان اللقيط والتصدي للسفن الامريكية والبريطانية العسكرية الداعمة للكيان في حربه على غزة بالاضافة لعمليات اطلاق الصواريخ وضرب مواقع استراتيجية صهيونية، ولذلك علينا ان نبحث في تفاصيل الانتصارات العربية، ومنها في العدوان الثلاثي على مصر، حيث قامت الطلائع الثورية وجماهير الامة والعديد من النقابات والمنظمات بدعم حقيقي لمصر من خلال استهداف مصالح الدول الاستعمارية، وكان من بينها تفجير انابيب نقل النفط العراقي .
ان عمليات الاسناد والتي نضعها وفق رؤيتنا القومية تحت شعار “وحدة المعركة” يجب ان تستغل هذه الظروف لتفعيل معارك تحرير لكل الساحات المحتلة .
لقد روج في الاونة الاخيرة لشعار “السلاح بيد الدولة” كان الهدف منه انهاء دور المقاومة في لبنان وفي العراق، بهدف خلخلة الامن في الساحتين وفرض الاستسلام والتطبيع وتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد ومن ثم نشر الفوضى والاحتراب الداخلي على شاكلة احداث سورية .
اننا وجماهير امتنا العربية متمسكون بسلاح المقاومة .. وفي الوقت نفسه نطالب بتقوية مؤسسات الجيشين اللبناني والعراقي وتسليحهما باحدث الاسلحة و المعدات الحربية، وتطوير وسائل التدريب، وابعاد اي هيَمنة او اشراف على المؤسسات العسكرية من الولايات المتحدة او دول اخرى .. والغاء المعاهدات والاتفاقيات التي تخالف ذلك .
ونشير هنا ايضا الى انتصار مهم اخر في الساحة اللبناني، وهو اطلاق سراح المناضل المقاوم جورج عبد الله بعد اعتقاله في فرنسا منذ واحد واربعون عاما، حيث اكد ثباته على مواقفه و قيمه المقاومة، انه درس نضالي يعني ان الثبات على الموقف والمبادئ يليق بالثوار .
كما ان تجربة المقاوم جورج عبد الله، اثبتت كذب وازدواجية معايير الغرب الذي يستخدم شعارات الديمقراطية قناع يخفي تحته سياساته الاستعمارية، واطماعه وحقده على الانسانية .
جورج عبد الله نموذج منارة من مناراتنا العربية الثورية الشامخة المقاومة في وجه ما يواجهنا من مخططات لاستلاب حقنا في الحياة والبقاء .
في جانب اخر كان للدور الايراني اثر واضح في دعم المقاومة الفلسطينية واسنادها، ونصرة الشعب الفلسطيني، مما أثار العدو الصهيوني، وحليفته الرئيسية الولايات المتحدة، وكانت الحرب على ايران احد تبعيات معركة طوفان الاقصى، ولكن هذه الحرب على الجمهورية الاسلامية الايرانية لها جذور اعمق ابتدأت بعد قيام الثورة الاسلامية عام 1979 بقيادة الامام الخميني، بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، وكانت احد اهم شواهد هذا الموقف هو سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني الذي قدمه شاه ايران على طبق من ذهب الى الكيان الصهيوني، عداوة للعرب والقومية العربية، وبشكل خاص عداوة للزعيم الخالد جمال عبد الناصر بسبب دعمه للثوار الايرانيين ضد السياسة الشاهنشاهية .. ومن ثم حولت الثورة الاسلامية مبنى سفارة “اسرائيل” الى سفارة لدَولة فلسطين .
لذلك كانت الحرب التي شنها الكيان الصهيوني و امريكا على ايران، حربا عدوانية واسعة استهدفت تحقيق حزمة من الاهداف، واهمها حجب الدعم الايراني المهم للمقاومة، ومحاولة تغيير النظام في ايران واهداف اخرى متعددة، الا ان هذه الحرب العدوانية لم تتمكن من تحقيق اي هدف من اهدافها، بل انها حققت على العكس منها، اتساع لدائرة الموقف المؤيدة للقضية الفلسطينية على الصعيد الشعبي الايراني، كما بينت الاحداث ما بعد الحرب تمسك القيادة الايرانية واصرارها على مواقفها وسياساتها وفي كل المجالات .
اصبح من الواضح بعد نجاح الكيان الصهيوني وقوى الخارجية، الاقليمية والقومية، من اسقاط الدولة السورية وتحويلها من دولة ممانعة داعمة للمقاومة، الى دولة احتراب داخلي واستباحة اراضيها من حيش العصابات الصهيونية، ومن قبل الجيش الامريكي وجيش ومرتزقة النظام التركي الاردوغاني، فتحولت سورية من امل يعيش في صدور ابناء الامة الى وجع في القلوب وقلق لاحتمال تطورات على الصعيدين السوري والعربي .. خصوصا في لبنان، حيث يهدف الاعداء لاستثمار اي فتنة في مشاريعه لانهاء دور لبنان المقاوم .
وفي هذه الاجواء تتوجه أنظار الامة الى مصر الغالية والتي تؤكد التوقعات و التحليلات انها المستهدفة الكبرى من المخطط والذي هيأت له بناه الاساسية ومحاصرة مصر من كل الاتجاهات .. فالوضع الليبي المنفلت مع تواجد قوات اجنبية وميليشيات اخوانية وسلفية بمقربة من الحدود الغربية مصدر خطر واضح، كما هو النزاع في السودان الذي تتورط فيه اصابع انظمة مشبوهة، هي ايضا يضع الامن القومي لمصر امام اخطار عديدة، ليأتي موضوع سد النهضة في اثيوبيا تهديدا حقيقيا لوجود مصر ومستقبلها ومعيشتها .. بالاضافة لمخططات تحريك عناصر اخوانية وسلفية ارهابية للعبث في الامن المصري الداخلي، واخرها ما كشف عنه من احباط مخطط أرهابي تخريبي كبير من قبل الاجهزة الامنية المصرية والذي كانت ما تسمى حركة “حسم” الارهابية ستقوم بتنفيذه .
ان كل ذلك ما هو الا توفير الفرص للعدو الصهيوني وزيادة الضغوط على مصر وتهديد أمنها واستلاب دورها القومي العربي .
ويجب ان نشير هنا الى ضرورة تعزيز امن الساحتين العربيتين الجزائرية والتونسية وتعزيز موقفيهما الرافض للتطيبع، خصوصا في مواجهة الضغوط الخارجية، ورصد ومتابعة المجموعات الارهابية الاخوانية والسلفية، وتعزيز الوحدة الوطنية .
كما يهمنا ان نشير الى بعض المظاهر الايجابية في الأقليم لدول اسيوية مثل باكستان، ودول افريقية مثل جنوب افريقيا والسنغال وبوركينا فاسو وجمهورية مالي من مواقف في مجالي القضية الفلسطينية والمواقف المناهضة للهيمنة الامريكية والغربية .
فيما نجد انفسنا مضطرين لنستنكر مواقف دول اخرى مثل تركيا في مسألة تدخلاتها في سورية واحتلالها اراضي عربية واقامة قواعد عسكرية فيها، كذلك نستنكر ما تقدمه دولة اذربيجان للعدو الصهيوني بتعاونها العسكري معه وجعل اراضيها مركز للتجسس الصهيوني على دول المنطقة .
لقد كان لعرض هذه الرؤيا في هذه المناسبة الخالدة، ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 علاقة متينة، تبرز تمسكنا بثوابت واهداف الثورة الناصرية وبفكر زعيمها ومفجرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وبكل مفردات تجربته الثورية، وفي مقدمتها تحقيق الحرية للوطن والتخلص من الاستعمار والايمان المطلق بان ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة .
عاشت عروبتنا والمجد والخلود لشهداء فلسطين والامة العربية .
الملتقى العربي الوحدوي