قراءات سياسية فكرية استراتيجية

تفكيك USAID وصعود الترامبية: انهيار الهيمنة الناعمة وبداية مرحلة جديدة من الاستعمار.

إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) يمثل تحوّلًا جذريًا في الاستراتيجية الأميركية، حيث كانت هذه الوكالة الذراع الناعمة للاستعمار الحديث، مستخدمة المساعدات المالية للتحكم في السياسات الداخلية عبر مؤسسات المجتمع المدني، الإعلام، والمعارضة المدعومة غربياً. تفكيكها لا يعني تراجع النفوذ الأميركي، بل إعادة توجيهه نحو وسائل أكثر صراحة وعدوانية، مثل الابتزاز الاقتصادي والعسكري.

كيف كانت USAID أداة للاستعمار الحديث؟
1. التحكم في مؤسسات المجتمع المدني
• كانت USAID تدعم الإعلام، منظمات حقوق الإنسان، والمبادرات “الديمقراطية” لتوجيه الخطاب السياسي وفق المصالح الأميركية.
• لعبت دورًا رئيسيًا في التأثير على الانتخابات والسياسات الداخلية في دول مثل لبنان، تونس، مصر، والسودان.
2. توجيه الاقتصاد عبر الدعم المشروط
• المساعدات الأميركية لم تكن مجانية، بل كانت مشروطة بخصخصة القطاعات العامة، تقليص الدعم الحكومي، والانصياع للسياسات الغربية، كما حدث في الأردن ومصر.
3. تثبيت النفوذ الأميركي دون تدخل عسكري مباشر
• بدلاً من إرسال الجيوش، استخدمت واشنطن USAID كأداة لشراء الولاءات السياسية وإضعاف الأنظمة التي تعارضها.

الدول العربية الأكثر تأثرًا.

1. مصر والأردن: اقتصاد هش وضغوط شعبية
• مصر ستعاني من أزمة اقتصادية حادة بعد توقف التمويل الأميركي لمشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة.
• الأردن، الذي كان يعتمد على 1.45 مليار دولار سنويًا من المساعدات الأميركية، سيواجه ضغوطًا مالية متزايدة، مما قد يؤدي إلى موجة احتجاجات جديدة.

2. لبنان: تراجع الهيمنة الأميركية لصالح قوى أخرى
• USAID كانت تدعم المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني المناهض لحزب الله.
• توقف التمويل سيضعف هذه المنظمات، ويتيح مجالًا أكبر لتعزيز النفوذ الإيراني والروسي.

3. السودان واليمن: كارثة إنسانية قادمة
• السودان، الذي يعاني من حرب أهلية واقتصاد منهار، كان يعتمد على الدعم الأميركي في الإغاثة والتنمية، مما يجعل الوضع أكثر سوءًا.
• اليمن سيواجه نقصًا حادًا في المساعدات الغذائية والطبية، مما سيعمّق الأزمة الإنسانية.

4. سوريا: تراجع الدعم لمناطق النفوذ الأميركي
• توقف دعم الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا قد يسرّع من عودة النظام السوري أو توسيع النفوذ التركي.

5. تونس: تهديد للمجتمع المدني والديمقراطية الهشة
• تونس كانت تعتمد على USAID لدعم المجتمع المدني والإصلاحات الديمقراطية.
• مع توقف التمويل، قد تجد الحكومة نفسها أكثر عرضة للضغوط الداخلية والاقتصادية.

ما البدائل؟
1. الصين وروسيا قد تستغلان الفراغ.
• الصين قد تعرض استثمارات لكن بشروط ديون قاسية.
• روسيا قد تزيد نفوذها في سوريا والسودان ولبنان مقابل دعم سياسي وعسكري.
2. تعزيز النفوذ الخليجي.
• الإمارات والسعودية قد تقدمان دعمًا ماليًا مشروطًا للأردن ومصر ولبنان، لكن بشروط سياسية وأمنية متشددة.
3. التحول إلى اقتصاد إقليمي مستقل.
• بدلاً من الاعتماد على المساعدات الغربية، يمكن للدول العربية تعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها، لكن الإرادة السياسية لتحقيق ذلك ما زالت غائبة.

هل تفكيك USAID يعني نهاية النفوذ الأميركي؟

ليس بالضرورة. بل هو تحوُّل من الهيمنة الناعمة إلى السيطرة الاقتصادية والعسكرية المباشرة:
• فرض ضرائب على كندا والمكسيك، وابتزاز الدول العربية اقتصاديًا.
• تعزيز العقوبات كأداة ضغط سياسي بدلاً من المساعدات.
• دعم الأنظمة الحليفة عبر التعاون العسكري المباشر بدلاً من النفوذ الناعم.

خاتمة: مرحلة جديدة من الاستعمار الصريح.

تفكيك USAID لا يعني نهاية الاستعمار الأميركي، بل تَحَوُّلَهُ من السيطرة الناعمة إلى الضغط الاقتصادي والعسكري المباشر. الدول العربية أمام خيارين:
1. إما البحث عن بدائل حقيقية تبني استقلالها الاقتصادي والسياسي.
2. أو الانتقال من التبعية الأميركية إلى التبعية الصينية أو الخليجية.

في النهاية، السؤال ليس ما إذا كانت الهيمنة الأميركية ستنتهي، بل كيف ستُعاد صياغتها في السنوات القادمة؟

صوت فلسطين.

اقرأ المزيد
آخر الأخبار