تعود قضية هامة وحساسة للبروز مجددا بعد اهمالها وتركها طي النسيان، وهي المتعلقة بحياة ومصير الشعب الفلسطيني الذي عانى ويعاني من احتلال واستعمار اسرائيلي ومن ابادات جماعية واستئصال من ارضه وفصل عنصري مقيت. ففي العام 2006 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إسرائيل إلى الالتزام بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار الفاصل. الرأي الصادر في يوليو 2004 أقر بأن بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ودعا إلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين.
ورغم مرور سنوات طويلة، لم يتم حتى الآن تنفيذ التعويضات بشكل ملموس وذلك يعود إلى عدة عوامل، منها:
1- التجاهل الكلي للولايات المتحدة والدول الاوروبية الغربية واتباعهم في العالم لقرارات الامم المتحدة وتفريقهم بين الشعوب وتشجيعهم اسرائيل على اغتصاب الارض والتوسع الدائم واقامة المستوطنات على اراضي الفلسطينيين.
2- عدم وجود آليات ملزمة دولية لتنفيذ رأي المحكمة أو قرارات الجمعية العامة.
3 – تعقيدات الوضع السياسي، بما في ذلك استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب ضغط دولي فعال لإلزام إسرائيل بالتعويض أو إزالة الجدار.
4- التمييز والتفرقة الاميركية بين الشعوب وبين الدول التابعة لها والتي تأتمر بأوامرها وتخضع لها وتلك التي تحاول الحفاظ على سيادتها واستقلالها عن الهيمنة الاميركية.
5- الغياب التام لأي مبادرات لتعويض الأفراد، إذ لم تُشكل أي لجنة مختصة لتنفيذ هذه الجزئية من القرار وايضا بضغوط اميركية غربية والتفاف على القرارات والقوانين الدولية التي لا توافق عليها.
في المجمل، القرارات الصادرة عن الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية لا تُعتبر ملزمة قانونيًا ما لم تتبناها وتدعمها الدول الأعضاء بشكل قوي، وهو ما كان مفقودًا في هذه الحالة.
بالمقابل ولسوء الصدف او لحسنها نرى سعيا حثيثا اميركيا اوروبيا لاستعمال ومصادرة أصول الدولة الروسية وبشكل مخالف لكل القوانين لصالح أوكرانيا.
هذه القضية الحساسة أثارت الكثير من النقاشات القانونية والسياسية على المستوى الدولي. فمنذ شن الغرب الجمعي والناتو بقيادة الولايات المتحدة الاميركية الحرب على روسيا من خلال أوكرانيا في شباط العام 2022، طرحت عدة دول ومنظمات دولية فكرة استخدام الأصول الروسية المجمدة تحت حجة تعويض أوكرانيا.
ومن المعروف انه ونتيجة للعقوبات الغربية المجحفة، تم وبمخالفة للقانون وبطريقة غير شرعية تشكل سابقة، تجميد مئات المليارات من الأصول الروسية في الخارج، بما في ذلك أصول البنك المركزي الروسي والأموال الخاصة التابعة للأثرياء الروس. وقد سارع النظام الأوكراني وحلفاؤه للقول أن هذه الأصول يمكن استخدامها لإعادة بناء البلاد وتعويض الأضرار الاقتصادية والبشرية.
في ايار العام 2023، ناقش الاتحاد الأوروبي السبل القانونية لتحويل هذه الأصول إلى أوكرانيا من دون حتى التفكير بتداعيات مثل هذه الخطوة على الامن والسلم العالمين وعلى ما يمكن ان تتركه من اثار كارثية على التعامل المصرفي والتجاري وعلى الثقة بين الدول. وبالرغم من ذلك فان هذه الخطوة واجهت عقبات قانونية كبيرة، حيث تعتبر الأصول المجمدة ملكًا لدولة ذات سيادة، مما يطرح تساؤلات حول شرعية استخدامها لأغراض أخرى.
لكن الاتحاد الأوروبي لم يستسلم واوغل في تحديه واستفزازه للمجتمع الدولي ولكل الشرائع والقوانين الدولية اذ قام بتشكيل لجان لدراسة الخيارات القانونية للاستيلاء على اموال دولة ذات سيادة، ومنها فكرة فرض “ضريبة خاصة” على الأصول الروسية أو استخدام العوائد الناتجة عن استثمار هذه الأموال في دعم أوكرانيا. وبالرغم من المخالفات الجسيمة للقانون الدولي كون مصادرة الأصول بشكل مباشر تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، فان هذه الاوساط لم ترتدع، بل واصلت سياساتها العدوانية التي اقل ما يقال فيها انها سرقة موصوفة.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجهدون وبقوة للعثور على ثغرة وتقديم دعم قانوني أو تعزيز الجهود الدولية للاستيلاء عنوة على الاصول الروسية وهم قدموا في 17 ايار من العام 2023، مبادرة تهدف إلى الطعن في الانتهاكات المرتبطة بالنزاعات الدولية، حيث يسعى الاتحاد إلى توفير أدوات قانونية متطورة لتشريع الاستيلاء على اموال الغير بطريقة لصوصية تذكّر بعمل القراصنة الذي لطالما كان موضع ادانة وتعقب واستهجان. اما الان فان الولايات المتحدة والدول الغربية الدائرة في فلكها يسعون لتشريع السرقة والقرصنة والاستيلاء على اموال الغير وتغيير كل المفاهيم الاخلاقية الماضية والعمل على عدم اعطاء اصحاب الحق حقهم كما يجري مع الفلسطينيين وترويعهم وحرمانهم من اسباب الحياة لا بل القضاء عليهم كما فعلوا مع الهنود الحمر وتجاهل القرارات الدولية المحقة التي تدافع عن المظلومين وتمنحهم اقل الحقوق المتوجبة لهم بالحياة الحرة الكريمة. وفي المقابل يبتدع الغرب طرق احتيال وابتزاز تتعارض بالكامل مع القوانين الدولية المرعية وتشكل معايير مزدوجة تفتح الطريق الواسعة امام عالم تسوده الجريمة واللصوصية وانهيار الاخلاق والقيم.