استغرب كثيرون حول العالم من قيام المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهامات للرئيس الروسي بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. فالاتهام على ضعف حجته أثار سخرية لعدم إمكانية تطبيقه ضد احد أقوى القادة في العالم، خصوصا أن روسيا لم توقع على الاتفاقية الخاصة للانضمام الى هذه المحكمة. لكن في حقيقة الأمر أن قرار المحكمة أتى بضغط أميركي تحسبا لقيام روسيا بالإعلان عن نتائج التحقيقات التي تجريها حول برامج التسلح البيولوجية التي تجريها الولايات المتحدة في مختبراتها حول العالم ومن ضمنها مختبراتها في أوكرانيا والتي ترقى الى كونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
استعمال مضادات حيوية لزيادة العدائية في القتال
ففي تقرير أعده الفريق إيغور كيريلوف، رئيس قوات الحماية النووية والبيولوجية والكيميائية في القوات المسلحة الروسية، تم الكشف عن تفاصيل البرامج البيولوجية التي أجرتها الولايت المتحدة في أوكرانيا بالاستناد الى وثائق وعينات تم الحصول عليها من مختبرات بيولوجية سيطرت عليها القوات الروسية في اطار العملية العسكرية الخاصة التي تجريها في أوكرانيا. وتواصل وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي تحليل الأنشطة العسكرية والبيولوجية للولايات المتحدة وحلفائها في أوكرانيا وأماكن أخرى من العالم في ضوء المعلومات الجديدة التي تم الحصول عليها في الأراضي الأوكرانية التي تم تحريرها. كما يستمر العمل في دراسة العينات البيولوجية من الجنود الأوكرانيين الذين ألقوا أسلحتهم طواعية، وقد تم العثور على تركيزات عالية من المضادات الحيوية في دمائهم، إضافة الى علامات مناعية تشير إلى تعرضهم لمتلازمة الكلى ومسببات أمراض غرب النيل، والتي كان البنتاغون يدرسها كجزء من المشاريع الأوكرانية يو بي 4 و يو بي 8.
ويولي التقرير اهتماما خاصا للعقاقير المخدرة التي تم اكتشافها بما فيها المواد الأفيونية مثل الميثادون، والكودبسين، والكودتيرب، وكذلك المواد من نوع الإيفيدرين: تي فيدرين وثلاثي فيدرين، في المواقع التي انسحب منها العسكريون الأوكرانيون. والجدير ذكره أن عقار الميثادون الاصطناعي يستعمل في علاج إدمان المخدرات كعلاج بديل، علما أنه خلال الحرب العالمية الثانية، وخاصة بين عامي 1943 و1945، تم إعطاء أقراص برفيتين، أحد مشتقات الأمفيتامين، للجنود الألمان من أجل تخفيف العبء النفسي والعاطفي، في المقام الأول على القوات الخاصة. كما استخدمت القوات الأمريكية هذا العقار بكميات كبيرة في حربي كوريا وفيتنام. ومن الآثار الجانبية لهذه المخدرات التي تسبب الإدمان في المقام الأول هي التسبب بالعدوان المفرط، وهو ما يفسر القسوة الشديدة تجاه المدنيين من قبل بعض الجنود الأوكرانيين، وكذلك قصف المدن في دونباس.
ويفيد التقرير أنه خلال العملية العسكرية الخاصة، تم تحرير روبيجنوي في جمهورية لوغانسك الشعبية. وتم العثور على وثائق في مختبر مركز فارمبيوتست الطبي الواقع في شارع بوتشايفسكا، مما يؤكد أن الأبحاث قد أجريت في أوكرانيا لعدة سنوات نيابة عن شركة بيغ فارما الأميركية. تم إجراء تجارب سريرية للأدوية غير المسجلة ذات الآثار الجانبية الخطيرة المحتملة على السكان المحليين. وقد تم التحقيق مع عدد من الذين تطوعوا لاجراء التجارب عليهم وتم الحصول على أدلة منهم تفيد بأن العملاء الغربيين زاروا فارمبيوتست بانتظام وسمح لهم بالوصول إلى جميع مراحل عملية البحث. ولتسهيل عملهم، تم نسخ النقوش على المعدات وأسماء الغرف ووثائق العمل باللغة الإنجليزية.
ولتجنب مخاطر السمعة والتكاليف القانونية في حالة فشل تجارب الأدوية الجديدة، أجرت الشركات الأمريكية والأوروبية تجارب سريرية على المواطنين الأوكرانيين. وكانت رواتب المتطوعين في حدها الأدنى فيما تم إخفاء حالات الوفاة ولم تكن هناك أي عمليات تفتيش أو رقابة جادة من قبل السلطات المحلية. وقد تم استخدام الأفراد العسكريين والمواطنين ذوي الدخل المنخفض والمرضى في مستشفيات الأمراض النفسية، لاجراء الاختبارات عليهم.
ولقد تم العثور على أكثر من 16000 عينة بيولوجية في مختبر روجينوي، بما في ذلك عينات الدم والمصل، تم أخذها من أوكرانيا إلى الولايات المتحدة وجورجيا والدول الأوروبية، علما أنه صدرت تأكيدات من قبل الإدارة الأمريكية بأن المعلومات الجينية التي تم الحصول عليها من المواطنين الأوكرانيين ستُستخدم “… للأغراض السلمية حصريًا …” وفقا لما صدر عن عن جيسون كرو، رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي خلال أعمال مؤتمر الأمن الأمريكي في يوليو 2021. وقد حذر كرو الأمريكيين من مخاطر إعطاء حمضهم النووي لشركات خاصة للاختبار لأن “هناك احتمال أن يتم بيع نتائج الاختبارات لأطراف ثالثة. ويمكن استخدام المعلومات التي تم الحصول عليها لتطوير أسلحة بيولوجية تستهدف بشكل محدد. مجموعات أو أفراد.”
دلائل على أن وباء كورونا تم تصنيعه
ويضيف التقرير أنه نظرًا لاهتمام الإدارة الأمريكية بدراسة العوامل البيولوجية “المستهدفة بدقة”، فإن مثل هذه التصريحات تفرض نظرة جديدة على أسباب وباء فيروس كورونا الجديد ودور علماء الأحياء العسكريين الأمريكيين في ظهور وانتشار فيروس كوفيد 19. ووفقًا للخبراء الروس، يبدو جليا التباين غير المعهود للمتغيرات الجينية التي تسبب قممًا مختلفة في حدوث فيروسات كورونا، والاختلافات الكبيرة في معدل الوفيات والعدوى، والتوزيع الجغرافي غير المتكافئ، والطبيعة غير المتوقعة لعملية الوباء ككل. ويبدو أنه على الرغم من الجهود المبذولة لاحتواء المرض وعزله، فإن الوباء يتغذى بشكل مصطنع من خلال إدخال أنواع جديدة من الفيروس في منطقة معينة ما يشير إلى أن الوباء تم انتاجه في مختبرات وأنه لم يكن نتاج تطور بيولوجي طبيعي.
هذا جعل التقرير يشير الى ان الخبراء الروس يدرسون إمكانية تورط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ظهور فيروس كورونا 19. فمنذ عام 2009، مولت الوكالة برنامج التنبؤ، الذي حقق في أنواع جديدة من فيروسات كورونا عن طريق التقاط الخفافيش التي تحمل الفيروسات. وكانت شركة ميتابيوتا المعروفة بأنشطتها العسكرية البيولوجية في أوكرانيا أحد متعهدي هذا المشروع. والجدير ذكره أنه في عام 2019، وقبل ظهور الحالات الأولى من كوفيد 19، استضاف معهد جونز هوبكنز الأمريكي تمرينًا يسمى “ايفينت 21″، يركز على التعامل مع وباء فيروس كورونا غير معروف سابقًا، والذي وفقًا لسيناريو التمرين انتقل من الخفافيش إلى البشر عبر مضيف وسيط هو الخنازير. ويشير تنفيذ سيناريو كوفيد 19، والتصفية السريعة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لبرنامج التنبؤ في عام 2019 إلى الطبيعة المتعمدة لانتشار الوباء وتورط الولايات المتحدة في ظهوره.
خلال العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تم الاستيلاء على وثائق تشير إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومقاولها الرئيسي، متاهة أوكرانيا، يشاركان في برنامج الأسلحة البيولوجية العسكري الأمريكي منذ عام 2019. وقد ذكرت الرسالة الموجهة من رئيسة قسم الصحة والوبائيات في جامعة “إي إ فيو” إلى مديرة متاهة أوكرانيا، كارين سايلورز أن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية أعلنت عن استعدادها للتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إعطاء اللقاحات للأفراد العسكريين وجمع ومعالجة ونقل المعلومات التي تهم الجانب الأمريكي.
ويفيد التقرير أنه ثبت أن “متاهة أوكرانيا” هي قسم من الشركة الأمريكية “لابيرانث غلوبال هيلث”، ومؤسسوها هم موظفون سابقون في “ميتابيوتا أحد مقاولي البنتاغون الرئيسيين في المجال العسكري البيولوجي. وقد شاركت “متاهة أوكرانيا” في المشاريع يو بي 9 و يو بي 10 التي درست انتشار حمى الخنازير الأفريقية في أوكرانيا وأوروبا الشرقية. والجدير ذكره أنه كجزء من برنامج تقليل التهديدات البيولوجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن أحد مجالات البحث لشركة “لابيرانث غلوبال هيلث” كان دراسة فيروسات كورونا وفيروس جدري القردة. وفي 23 يوليو 2022، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي مرض جدري القرود يمثل حالة طوارئ صحية دولية، وحتى الآن تم الإبلاغ عن المرض في 76 دولة، مع أكثر من 26000 حالة. ويستنتج التقرير أن جميع الأمراض المعدية التي تصب في نطاق اهتمام البنتاغون أصبحت فيما بعد أوبئة منتشرة حول العالم تتولى شركات الأدوية الأمريكية انتاج أدوية لها علما أن هذه الشركات تحظى برعاية من قادة الحزب الديمقراطي الأمريكي.
أوبئة أميركية في كوبا واغتيال هوغو تشافيز
وسبق للروس أن وثقوا استخدام الولايات المتحدة للأسلحة البيولوجية في كوبا، خصوصا في ما يخص الانتشار المتعمد لحمى الضنك وحمى الخنازير الأفريقية وأمراض المحاصيل المهمة اقتصاديًا في الجزيرة. وفي عام 1997، أثارت الحكومة الكوبية انتباه المجتمع الدولي إلى حقيقة أن الولايات المتحدة قد انتهكت متطلبات اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية، بالاستناد إلى إلى شهادة طيار كوبي سجل قيام طائرة أمريكية برش فيروس، وهو تريبس النخيل، والذي يمكن أن يلحق الضرر بإحدى أهم الصناعات الزراعية الرئيسية في كوبا. وعلى الرغم من أنه كان من الممكن بدء اجتماع استثنائي للدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة البيولوجية حول هذه المسألة، إلا أنه لم يتم التحقيق في الحادث بسبب عدم وجود آلية للتحقق من الاتفاقية، والتي يصر الاتحاد الروسي على إنشائها.
وقد ساهم هذا الإفلات من العقاب في استمرار استخدام واشنطن لتكنولوجيا الأسلحة البيولوجية في أمريكا اللاتينية، بما في ذلك اغتيال سياسيين مناهضين لهيمنتها. ففي 18 يوليو 2022، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن تورط الولايات المتحدة في اغتيال رئيس الدولة السابق هوغو شافيز. والجدير ذكره أنه في انتهاك للقانون الدولي، فقد شاركت الولايات المتحدة في تطوير الأدوية التي تسبب مرضًا مزمنًا وتطور أشكالًا مختلفة من السرطان. ووفقًا للجانب الفنزويلي، فقد استخدم كلاوديو دياز، أحد أعضاء الوفد الرئاسي للرئيس هوغو تشافيز عقارًا مشابهًا لتسميمه. وقد قام لاحقا بالفرار من فنزويلا بمساعدة وكالات المخابرات الأمريكية وتم ترحيله لاحقًا إلى الولايات المتحدة لتجنب الدعاية المحتملة حول تفاصيل تعاونه مع وكالات الاستخبارات الأمريكية. وتؤكد أدلة الطب الشرعي وجود علاقة سببية بين وفاة الزعيم الفنزويلي وتطوير أسلحة بيولوجية من قبل الولايات المتحدة، علما أن شهادة الأطباء الكوبيين الذين عالجوا تشافيز تفيد حول المسار غير المعتاد للمرض الذي أصاب تشافيز وعجز كافة الأدوية عن مقاومة السرطان الذي أصابه.
وبنتيجة العملية العسكرية الخاصة، لفتت التهديدات التي تشكلها الاختبارات البيولوجية الأمريكية انتباه العديد من المنظمات الدولية والحكومية. وقد خرجت مظاهرات حاشدة ضد المختبرات البيولوجية التي يمولها البنتاغون في عدد من البلدان حول العالم. وقد طالبت منظمات المجتمع المدني التابعة للاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي بإغلاق مثل هذه المواقع البيولوجية. هذا أدى إلى تغيير في نهج عمل الجيش الأمريكي في المجال البيولوجي في البلدان الأخرى.