يبدو أنه لفهم ما يحدث في اليمن يجب أن نذهب إلى بريطانيا. فاستهداف ناقلة النفط في ميناء الضبة في حضرموت في اليمن وصلت اصداؤه الى لندن. اذ أن ناقلة النفط التي تم استهدافها مملوكة لشركة يونانية مسجلة في بريطانيا. وقد لا تكون الشركة الا واجهة للاستخبارات البريطانية.
فناقلة النفط العملاقة ماران كانبوس مملوكة لشركة ماران تانكرز وهي احدى شركات “انجيليكوسيس” اليونانية التي يملكها جون أنجيليكوسيس ابن مؤسس الشركة أنتوني أنجيليكوسيس.
بحرية يونانية للاستخبارات البريطانية؟!
والجدير ذكره أنه منذ استقلال اليونان في العام 1829 فإن اسطول النقل التجاري اليوناني كان يعمل تحت اشراف بريطاني منذ أن أصبحت بريطانيا سيدة البحار وسيطرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر على الملاحة في شرق المتوسط منتزعة إياها من يد الدولة العثمانية بعد معركة نافارين في العام 1827 التي دمر خلالها الاسطولان المصري والعثماني على يد الاسطولين الفرنسي والبريطاني. وهي المعركة التي ساهمت بدرجة كبيرة في استقلال اليونان عن الدولة العثمانية.
بعد ذلك فإن اليونانيين عاشوا بالدرجة الأولى على الصيد البحري والنقل التجاري البحري تحت اشراف البريطانيين. ولم تشذ عائلة أنتوني انجليكوسيس عن هذا الامر اذ أن جده لوالده عمل في النقل البحري التجاري على مستوى محدود.
حقيقة أنجيليكوسيس
هنا تجدر الاشارة إلى أن أنتوني أنجيليكوسيس ولد في أوائل القرن العشرين في بلدة كارداميلا في جزيرة كيوس في عائلة امتهنت النقل البحري وكانت تملك قاربا صغيرا يعمل بين البحر الأسود والبحر المتوسط.
بعد انهائه دراسته الثانوية أراد أنتوني الالتحاق بالمدرسة الا ان عائلته لم تكن تملك الوسائل المادية لذلك فالتحق بمجال النقل البحري كما غيره من أبناء قريته.
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية تم اغراق المركب الذي كان يعمل عليه من قبل غواصة المانية فالتحق للعمل على متن بواخر أخرى كانت تنقل العتاد والسلاح للبريطانيين في شرق المتوسط حين تم اغراق سفينته مرة أخرى قرب سواحل حيفا حيث تم إنقاذه من قبل الجنود البريطانيين.
هنا ستأخذ حياة أنتوني مسارا مختلفا اذ سيتم تجنيده في جهاز الاستخابارت البريطانية وسيتم ارساله الى الإسكندرية ليخضع لتدريبات مكثفة قبل ارساله سرا الى كريت التي كانت خاضعة للاحتلال الألماني. عمل أنجيليكوسيس ي أعمال التخريب ضد القوات الألمانية وكان عضوا في الفريق الذي استطاع اختطاف الحاكم العسكري الألماني للجزيرة الجنرال هينريش كريب. وقد شكلت هذه العملية ضربة معنوية كبيرة للألمان ما جعل السلطات البريطانية تمنحه وسام الشجاعة مرتين.
وفقا للرواية الرسمية على موقع الشركة التي أسسها، يزعم أنجيليكوسيس أن المخابرات البريطانية أرادت منه مواصلة العمل لصالحها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلا أنه رفض. لكن هل يملك عنصر في المخابرات أن يرفض أو يقبل مواصلة العمل لصالح الاستخبارات؟! أم أن هذه الرواية كانت للتورية على مواصلة أنجيليكوسيس العمل لصالح الاستخبارات البريطانية؟
في العام 1946 تزوج أنتوني أنجيليكوسيس فتاة من قريته كان شقيقها يمتلك شركة نقل بحري صغيرة تعمل في الإسكندرية في مصر فانتقل للعمل معه كوكيل لاعماله في اليونان فاقام شراكة مع صديقه ديمتري اثفيميو الذي كان يمتلك مكتبا في بيرايوس. وفي العام 1953 قام أنتوني بشراء أول سفينة له وهي السفينة البخارية أستيباليا. بعد ذلك اشترى سفينة حمولتها 1,500 طن ونقل اعماله الى سنغفورة.
خلال الستينات كان أنتوني أنجيليكوسيس قد استقر في لندن التي كانت تعتبر عاصمة النقل البحري اليوناني آنذاك وبدأ بتأسيس شركات رديفة لشركته لتصبح ثروته بمئات ملايين الدولارات.
هنا تطرح أسئلة حول قدرة أنتوني أنجيليكوسيس لهذا النجاح في هذا الوقت القصير والذي يفسره البعض بارتباط أنتوني بالاستخبارات البريطانية وبكون شركاته واجهة لاعمال الاستخبارات البريطانية.
في العام 1973 انضم جون أنجيليكوسيس المولود في العام 1948 إلى شركة والده أنانجيل أميركان شيبهولدنغ وقد تم في العام 1989 تسمية أنتوني أنجيليكوسيس كواحد من كبار رجال الاعمال في مجال الشحن البحري.
بعد وفاته اصبح جون هو رئيس مجلس إدارة الشركة حتى تاريخ وفاته في نيسان ابريل 2021 حيث قدرت ثروته ب2.5 مليار دولار. وبعد وفاته استلمت ابنته الوحيدة إدارة الشركة.
الشراكة البريطانية الإسرائيلية
هذا يمثل جزءا من الرواية. أما الجزء الآخر فيتمثل في أن الشركة مسجلة في بريطانيا وهنا نجد الصدى يتردد في لندن مرة أخرى. فالامارات العربية المتحدة ورغم خمسين سنة من عمر الاستقلال لا تزال ترزح تحت النفوذ البريطاني. ومنطقة حضرموت وجنوب اليمن بقيا تحت الاحتلال البريطاني حتى أواسط الستينات. وخلال مرحلة ما يسمى بالربيع العربي فإن بريطانيا بدأت ترنو بأنظارها لاستعادة نفوذها برضى أميركي في بعض المناطق التي كانت واقعة تحت هيمنتها ومن ضمنها جنوب اليمن تمهيدا لتقسيم اليمن.
أما المؤسسة الأخرى التي تجري اعمال تنقيب فهي شركة “اسكا غروب المسجلة في كوريا الجنوبية. لكن في حقيقة الامر فإن المؤسسة تم تأسيسها على يد سامي كتساف، الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية. ووفقا لبروشور المؤسسة فإنها تعمل بالدرجة الأولى في مجال الصناعات العسكرية والاعمال الدولية والمضاربات العقارية في الكيان الصهيوني وحول العالم. وهي في حقيقة الامر مملوكة لوزارة الدفاع الإسرائيلية والمجمع الصناعي العسكري الصهيوني.
وبموازاة عمل هذه المؤسسة في اليمن فإن مؤسسة أخرى ذات رأسمال إسرائيلي كبير تعمل في مجال التنقيب والاستخراج في شرق المتوسط. وهذه المؤسسة هي انرجان التي دار حولها لغط خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال. والجدير ذكره أن “شركة انرجان” تأسست في العام 2007 كشركة يونانية، ولكن الملاحظ أنها مسجلة في بورصة لندن وبورصة تل أبيب منذ العام 2018. وقد بدأت أعمال التنقيب في شمال بحر إيجه قبل أن تنقل أعمالها الى مناطق أخرى حول العالم.. ومع حلول العام 2019 كانت أصولها قد بلغت 1.5 مليار دولار وفي العام نفسه استحوذت الشركة على شركة اديسون الإيطالية لقاء مبلغ قدره 750 مليون دولار قبل أن تعيد بيعها؟
في العام 2016 حصلت انرجان على امتياز التنقيب في حقلي كاريش وتانين في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة مقابل مبلغ قدره 148 مليون دولار دفعتها للكيان الصهيوني، وفي اذار / مارس 2018 وقعت الشركة اتفاقية تمويل بقيمة 1.275 مليار دولار مع بنك هابوعليم الصهيوني ومورغان ستانلي الأميركي وسوسييتيه جنرال الفرنسي وناتيكسيس اليوناني لبدأ أعمال تطوير حقل كاريش وتانين. وقد بدأت أعمال التنقيب في هذه الحقول بدءا من العام 2019. في حزيران من ذلك العام وقعت الشركة اتفاقية مع شركة انابيب الغاز الإسرائيلية لبناء موقع استقبال مرتبط بنظام توزيع الغاز الصهيوني وقد قدرت احتياطات حقل كاريش ب 1.2 تريليون مترا مكعبا من الغاز و34 مليون برميلا من النفط الخفيف.
ومن بين المالكين لاسهم في الشركة فإن معظمهم من الشركات البريطانية أو الإسرائيلية ومن ضمن الشركات الإسرائيلية هنالك شركة “لومي بارتنرز ليميتد” بنسبة 8.85 بالمئة و”فرست انترناشونال بنك اوف إسرائيل” بنسبة 2.75 بالمئة وفينيكس بروفيدنت فوند ليمتد بنسبة 5.04 بالمئة وكلال بنشيون اند بروفيدنت فوند بنسبة 7.64 بالمئة.
خلاصة
اذن نرى أن خيوطا بريطانية إسرائيلية تتشابك في شرق المتوسط وفي منطقة بحر العرب في محاولة لفرض الهيمنة على هاتين المنطقتين بغية الاستفادة من موقعهما الجيوسياسي ونهب ثرواتهما. والجدير ذكره أن هذه الخطة تتكامل مع جهود إسرائيل للسيطرة على منطقة باب المندب علما أنها سبق واقامت قواعد عسكرية سرية على جزر حنيش منذ احتلالها من قبل اريتريا قبل عقدين من الزمن. وهذا يتكامل مع مخطط إسرائيل لاقامة خط انابيب غاز ونفط يصل بين ايلات وعسقلان لتشكل بديلا عن قناة السويس وبذلك تصبح إسرائيل لا مصر هي صلة الوصل بين شرق المتوسط والمحيط الهندي في ما يتعلق بخطوط الغاز والنفط. والمعلوم أن من يسيطر على هذا الطريق يصبح هو القوة المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.