واشنطن هي التي دعمت النازية … وكارتيلات المخدرات … والاسلام الجهادي
لتهيمن على اوروبا الغربية … واميركا اللاتينية … والمنطقة العربية
قبل قرنين ونصف القرن من الزمن ولدت الولايات المتحدة الأميركية بعد استقلال 13 مستعمرة انكليزية على الساحل الشرقي للقارة الأميركية الشمالية عن الامبراطورية البريطانية. منذ بداياتها كان مؤسسو هذا الكيان يطمحون الى أن تكون هذه الدولة هي إعادة تجسيد للأمبراطورية الرومانية التي سادت العالم المتوسطي لمدة خمسة قرون، بين القرنين الأول قبل الميلاد والرابع ميلادي. وبالتالي فلقد قامت الولايات المتحدة منذ البداية على فكرة التوسع. ولقد كان الدافع الحقيقي وراء تمرد المستوطنين هو الرغبة في التوسع غربا، وهو ما كان الملك البريطاني قد حرمهم منه.
ولأن الفريق الديني المؤسس للولايات المتحدة من البوريتانيين الكالفينيين البروتستانت كان موجها بدافع ديني، فلقد اعتبر أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قوة خير. ولأنها كانت يجب أن تتوسع بشكل مضطرد، فلقد كان القوى الأخرى حكما قوى شر. من هنا فإن الولايات المتحدة حاربت وابادت “الشرير الهندي”، ثم حاربت “الشرير الاسباني”، ومن ثم “الشرير الالماني”، وبعده “الشرير الشيوعي”، زمن الحرب الباردة.
وخلال الحرب الباردة واجهت الولايات المتحدة قوى وطنية ويسارية كانت تطالب بحق شعوبها بتقرير المصير، في الوقت الذي كانت واشنطن تنزع لوراثة الاستعمار القديم الفرنسي والبريطاني. لذلك فلقد كانت المواجهة حتمية مع جمال عبد الناصر في مصر، وفيدل كاسترو في كوبا، وأحمد بن بلة في الجزائر، وهو شي منه في فييتنام، وكوامي نكروما في غانا، وأحمد سوكارنو في اندونيسيا، وغيرهم.
ولأن الولايات المتحدة يجب أن تكون قوة خير، فكان زعماء حركات التحرر حكما قوى شر، وفقا للنظرة اليانكية. ولأن الشر لا يكافح الا بالشر، فلقد كان من المشروع للولايات المتحدة دعم قوى “شر” لمكافحة “شر عبد الناصر وكاسترو والليندي وغيرهم”.
وبالتالي فلقد كان خلق الشرير هو المقدمة للولايات المتحدة لتبرير التدخل والهيمنة في احدى المناطق. فلمواجهة صعود اليسار في اوروبا في العشرينات والثلاثينات، دعمت الولايات المتحدة الحركتين الفاشية والنازية في ايطاليا والمانيا. ووصل الحد ببريسكوت بوش، والد جورج بوش الأب، أن استثمر هو وشركة جنرال موترز في الصناعات الحربية الألمانية حتى اواخر العام 1941. وعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد النازية والفاشية، استندت الى علاقاتها بالمافيا الايطالية لتزويدها بمعلومات ومعطيات استفادت منها لاجتياح صقلية وجنوب ايطاليا في العام 1943. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية جندت الولايات المتحدة الفاشيين القدامى في اوروبا الغربية لمواجهة الشيوعية، وشكلت منهم احزابا لمواجهة النفوذ المتصاعد لليسار في اوروبا.
اما في اميركا اللاتينية، فلقد دعمت الولايات المتحدة عصابات المخدرات لمواجهة تمدد الحركات الوطنية المناهضة للامبريالية. ففي كولومبيا، دعمت ال سي اي اي عصابات المخدرات منذ السبعينات لمواجهة حركة فارك اليسارية. وفي نيكاراغوا، دعمت ال سي اي اي ال عصابات الكونترا التي كانت تمول نفسها من تجارة المخدرات ضد الثوار الساندينيين الذين قاموا بثورة في اواخر السبعينات واستولوا على الحكم. وفي باناما قامت ال سي اي اي باغتيال الرئيس عمر توريخوس المعادي للولايات المتحدة ودعمت وصول الجنرال نورييغا المشهور بتهريب المخدرات الى الحكم. وقد نقلت واشنطن التجربة الى باقي بلدان اميركا اللاتينية. فحيث وجدت حركات يسارية مناهضة للامبريالية أوجدت واشنطن منظمات تجارة مخدرات لمواجهتها.
وفي المنطقة العربية، حيث كانت الولايات المتحدة تريد السيطرة، واجهت واشنطن حركات وطنية مناهضة للامبريالية. لذلك قامت الولايات المتحدة بدعم الاخوان المسلمين والحركات الاصولية المشابهة لمواجهة الحركات الوطنية والقومية واليسارية.
وبعد نهياة الحرب الباردة، وتراجع الحركات اليسارية والقومية في اوروبا واميركا اللاتينية والمنطقة العربية، انتقلت الولايات المتحدة من السيطرة غير المباشرة الى السيطرة المباشرة. وكانت حجتها هذه المرة مكافحة “الشر” الذي دعمته هي. ففي اوروبا الغربية تدخلت الولايات المتحدة عبر دعم احزاب ليبرالية بذريعة مكافحة الاحزاب الفاشية والنازية الجديدة. وفي أميركا اللاتينية اجتاحت الولايات المتحدة باناما في العام 1989 بذريعة مكافحة المخدرات. وتدخلت بالشؤون الكولمبية بذريعة مكافحة كارتيلات ميديين بزعامة بابلو اسكوبار، وفي المكسيك بذريعة مكافحة كارتيل المخدرات بزعامة ال تشابو، الخ.
أما في المنطقة العربية والاسلامية فلقد تدخلت الولايات المتحدة بذريعة مكافحة الاسلام الجهادي الذي خلقته هي لمكافحة الحركات اليسارية والقومية. فاجتاحت افغانستان في العام 2002 بذريعة مكافحة القاعدة، واجتاحت العراق بذريعة مكافحة اسلحة الدمار الشامل، ثم تدخلت في سورية بذريعة مكافحة داعش، الخ.
اذن فلقد خلقت “قوة الخير” واشنطن، قوى “الشر” الفاشية في اوروبا الغربية، وكارتيلات المخدرات في اميركا اللاتينية، وقوى الاسلام الجهادي في المنطقة العربية، لمكافحة “ِشر الحركات القومية واليسارية العلمانية” في المناطق الثلاثة، ومن ثم وبعد ضعف هذه الحركات تحججت بمكافحة الفاشية والمخدرات والاسلام الجهادي لتتدخل مباشرة في اوروبا الغربية واميركا اللاتينية والمنطقة العربية الاسلامية. حتى تبقى واشنطن … قوة خير!!!